علي القاسمي سهل أن تبتلعك حفرة، وسهل أن تكون هذه الحفرة في حديقة محاطة باللون الأخضر وبالقرب من شارع يحتضن ملايين الريالات، ويمضي من خلاله آلاف البشر، وسهل كذلك أن تُردم هذه الحفرة في أقل من ساعة، وسهل أن نتبادل توزيع التهم، وسهل أن نقول أن الحفرة لا تدخل ضمن مسؤوليات جهة بعينها، وسهل أن نمضي يومياً من جانبها من دون أن تتحرك فينا شعرة واحدة كي نطالب بمعالجتها استباقاً لفاجعة أو مأساة، وسهل جداً أن ننسى في بضعة أيام حادثة وفاة أب وطفلة في حفرة صرف صحي، أشياء كثيرة تعبر بسهولة وحماسة وقتية، ونبلع بعدها ما تيسر من المهدئات وعبارات الصبر وانتظار الربيع كي تجيء معه العقوبات وحقوق المظلومين وضحايا التسيب والإهمال والنوم على الجانب الذي يريح، الشيء الوحيد المستحيل والصعب في الوقت ذاته أن نعرف المتسبب في وقت مبكر ونعرف ماذا كان سيعبر سريعاً على عقوبة تحترم عقولنا وترأف بقلوبنا. لا أعرف بحق ماذا ستقول الجهات المعنية في حادثة الراحل المهندس «علي منشو» وطفله الصغير محمد وسقوطهم المر المفاجئ في حفرة تصريف مختفية بحديقة في شارع التحلية بمحافظة جدة، ما أعرفه ومتأكد منه في حادثة كهذه زيادة عدد البريئين من تفاصيلها وأسباب وقوعها، لأن النفي حتى وإن كان مستفزاً أهون بكثير من أن تخدش مثالية أجهزتنا قصة عابرة كهذه في رأينا، أما المتهم أو المعني المباشر وحتى غير المباشر فسيجتهد حتى لا يكون في واجهة الحادثة كمتسبب وإن كلفه ذلك خسارة وقته وماله وعلاقاته، وهي التي لم يكن يحتاج منها سوى 10 دقائق من إنسانيته إن كانت حية في ما قبل هذا التوقيت كي يردم حفرة. قد أتوقع مئات الحفر في حدائقنا وشوارعنا بالمدن المنسية والغائبة عن الرقيب وزحام البشر، إنما لم أتخيل للحظة أن أقرأ عن حفرة منسية مهملة في شارع جاذب ومغرٍ وحيوي كشارع تحلية جدة، وعلى ذاك سأقيس بأن ما لن يحدث في أبها ربما يحدث في جدة، وما لم يحدث في الرياض ربما يحدث في تبوك والعكس أيضاً، الحفر في مدننا ملغمة ومسكوت عنها، لها الحق أن تهضم من يقترب منها، ولنا فقط أن نكتب ونحزن ونواسي وندعي على الظالم، وبعد ذلك ننتظر ماذا تقدمه لنا حفرة مفاجئة، الحفر في مدننا تُدفن أسباب ولادتها بطريقة أسوأ من الطريقة التي تخنق فيها ضحاياها. حادثة كهذه في مجتمع لا «ينسى الأخطاء وينسبها بسرعة للقدر وحده» كفيلة بأن يذهب بمعيتها بضع رؤوس من على كراسيها التي ملّتهم وملّها أيضاً العابرون بصمت على مثل هذه المهازل، والنتائج الفاضحة للاستهتار واللامبالاة وغياب الضمير، إمارة مكة قاب قوسين أو أدنى من ارتداء ثوب شفافية غير مسبوق نحو الكشف السريع عن المتسبب، وبيان ما هو دور الجهات في مثل هذه الحوادث وكم يلزمنا من الوقت لنسمع عن العقوبات المستحقة لمن كان أباً وراعياً وحاضناً لحفرة التصريف وبدم بارد، بيانها المنتظر نحتاجه حاداً وشاملاً وضارباً بعمق كي نؤمن أن الأخطاء لا تغلق ملفاتها إذا كان وراءها أسماء من الوزن الثقيل!