قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). ما معنى أن المسلمين تحيتهم السلام ويكررونها يوميا عشرات المرات، وأيضا يكررون السلام في صلاتهم ويدعون الله باسمه «السلام» إن كانوا يقولون ما لا يفعلون وبعض بلدانهم أكثر بقاع العالم افتقارا للسلام؟!؛ لهذا قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)، فلا يكفي أن يكون السلم أي السلام مجرد كلام، إنما يجب أن يشمل كل أحوال الإنسان وواقعه وأنماطه العقلية والنفسية والسلوكية الخاصة والعامة فردا وجماعة، وعندما يقول النبي في الصحيح (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم). المقصود ليس فقط إفشاء السلام بالكلام، فمن يسلم على الناس ثم يفجر نفسه فيهم لا ينشر فيهم المحبة، لكن عندما يسلمون من أذاه المادي والمعنوي عندها سيحبونه وعندها سيكون مسلما حقيقيا، كما قال النبي في الصحيح (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)، وقال في الصحيح (افشوا السلام تسلموا)، وقال (افشوا السلام كي تعلوا). فالسلام أساس كل خير، ونقيضه أساس كل شر، والسلام في العالم الخارجي هو انعكاس للسلام في العالم الداخلي للإنسان «دواخله»، والتناقضات والصراعات الداخلية هي جزء طبيعي من حال الإنسان، ودور الثقافة السائدة هو أن تمنح الإنسان آليات ومفاهيم تساعده على معالجة تلك الصراعات الداخلية والتوصل للسلام الداخلي، لكن المعضلة عندما تكون الثقافة غير ناضجة ولا تمنح الفرد آليات لمعالجة الصراعات الداخلية، وهكذا يقوم اللاوعي بإسقاط تلك الصراعات الشخصية على العالم الخارجي، فتتولد الصراعات العائلية والاجتماعية والدينية والسياسية الديماغوجية.