إنها المرة الثالثة التي تخضع فيها «سيدة باريس الحديدية» لتحويرات داخلية منذ انتصابها على الضفة اليسرى لنهر «السين» في عام 1889. فقد دشنت عمدة باريس، آن هيدالغو، الأرضية الزجاجية الجديدة للطابق الأول من برج «إيفل» بعد أشغال استمرت لأكثر من سنة ونصف السنة وأشرف عليها المهندس الفرنسي ألان مواتي. ومن المتوقع، هذا العام، أن يصل عدد زوار البرج إلى 7 ملايين شخص. وبهذا يكون واحدا من أكثر الصروح السياحية جاذبية في العالم. وبالإضافة إلى الأرضية الزجاجية المثيرة التي تتيح رؤية مميزة لنهر «السين» والفضاء الواقع تحت البرج، شملت الورشة إنشاء أقسام جديدة أكثر مراعاة للبيئة، مع تسهيلات لمرور الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. بلدية باريس، مالكة الموقع، أرادت إضفاء طابع حداثي على الطابق الأول الذي كان أقل طوابق البرج جمالا وإقبالا من السياح. وحسب الأرقام، فإن نسبة تقل عن النصف منهم تتوقف في هذا الطابق وهي في طريق الارتقاء إلى الثاني. لذلك عمد المصممون إلى أسلوب الشفافية في المواد المستخدمة لمعادلة ثقل الهيكل الحديدي التاريخي وكثافته. ومن أبرز ما تلاحظه العين أن جانبا من الأرضية قد شيّد من زجاج سميك يشف عن منظر قاعدة البرج بأقدامها الأربع الضخمة. وتنتهي الأطراف المطلة على الخارج بأسيجة من الزجاج أيضا، تمنح الزائر إحساسا بأنه يحلق فوق باريس. وقد أوضح مهندس الأشغال أنه أراد أن يترك قلب البرج فارغا مثل فضاء شفاف معلق على ارتفاع 57 مترا عن أرض المدينة. تمت إزالة قاعة المرايا التي تعود لثمانينات القرن الماضي لتأخذ أشكالا مستحدثة مكانها، ذات جوانب زجاجية مائلة مدهونة بلون بني يميل إلى الأحمر، وهو اللون الأصلي للبرج. وقد تكلفت ورشة التصليحات 30 مليون يورو لم تتحمل الميزانية السنوية لبلدية باريس شيئا منها بل تركتها على عاتق الشركة المكلفة بإدارة برج «إيفل» واستثماره. ومن المقرر أن تستقبل صالة «إيفل» الجديدة، وهي أحد الجناحين في الطابق الأول، عروضا فنية وحفلات استقبال تتسع لـ300 شخص. أما صالة «فيرييه» المقابلة لها فقد خصصت لمقهى ومتحف وعدد من الدكاكين التجارية ونقاط الوجبات السريعة. وكانت الشركة قد عمدت، في الشتاء الماضي، إلى إقامة فضاء للتزحلق على الجليد في الطابق الأول منه. أثناء حفل التدشين، أول من أمس، قالت عمدة باريس: «يتناهى إلى مسامعي أن عاصمتنا فقدت شيئا من عظمتها وجاذبيتها، وهذا غير صحيح فنحن مدينة جذابة وقادرة على الابتكار من دون تهشيم تاريخنا». وكان انتخاب هيدالغو كأول امرأة تتولى رئاسة بلدية باريس، قد توافق مع احتفال الباريسيين بذكرى مرور قرن وربع القرن على تشييد برج «إيفل»، المعروف بلقب «السيدة الحديدية» الشاهقة التي صممها المهندس غوستاف إيفل وما زالت تحتل موقعها كنجمة بين أبراج العالم والصروح التي يدفع الزائر رسما للدخول إليها. خلال الحفل، تحاشى بعض المدعوين السير فوق القاعدة الزجاجية لما تشكله من رهبة، وظلوا في الفسحة المحيطة بها، بينما غامر آخرون بالدخول إليها والتمتع برؤية عميقة لنهر «السين» وأنحاء مدينة باريس، تحت القدمين. وأوضح برنار غوديليار، رئيس جمعية استثمار برج إيفل (التي تملك بلدية باريس 60 في المائة من أسهمها) أن الورشة استهدفت تحقيق 5 تحسينات تتعلق بانسيابية مرور الزوار، وتشجيع التوقف في الطابق الأول، وتحديث الأجنحة داخل البرج، وتطوير المحتويات البصرية، وفتح الطابق بأكمله لدخول معاقي الحركة، وتخفيف استهلاك هذا الصرح للطاقة. واختصرت رئيسة بلدية باريس هذه الأهداف بقولها للصحافيين «لقد أدخلنا البرج إلى القرن الحادي والعشرين»، واعدة بابتكارات أخرى في السنوات المقبلة. ووفق أعمال التحديث، ستسمح 4 ألواح شمسية بمساحة إجمالية تبلغ 10 أمتار مربعة، توفير ما يقارب نصف حاجات صالتي «فيرييه» و«إيفل» من المياه الساخنة، كما استحدث خزان لمياه الأمطار كبديل عن المياه الحالية تحت جناح «فيرييه» لمد أنظمة الصرف الصحي، بالإضافة إلى مروحتي رياح صغيرتين، لم توضعا بعد، لكنهما ستسمحان بعد الانتهاء منهما بإنتاج ما يقارب 10 آلاف كيلوواط من الكهرباء سنويا. ومثل كل المواقع الشهيرة والتاريخية فإن للبرج سجله الذهبي الحافل بأسماء المشاهير الذين ارتقوا طوابقه في أشهره الأولى، وبينهم العائلة المالكة البريطانية التي كان أفرادها من أوائل المدعوين لمشاهدته، وكذلك بافالو بيل، الشخصية الأسطورية في مغامرات البحث عن الذهب في القرن الماضي. وكان بافالو مارا بباريس مع فرقته المسرحية عند افتتاح برج «إيفل» الذي صار رمزا لباريس، بارتفاعه الذي يبلغ 324 مترا. وقد اشتغل في بنائه 300 عامل.