قبل سنوات خلت كنت من سكان مدينة الأحلام (الدمام) وذات عشية استوقفني مبنى جديد بالقرب من جزيرة المرجان لم أعهده من قبل حيث كان المزار المفضل لمجموعة من الأصدقاء نرتمي بأجسادنا المتعبة عشية بعد عناء يوم منهك بالعمل والرطوبة على رمال شطآن الخليج. توجهت نحو المبنى الجديد وإذا به مكاتب تأجير لقوارب ويخوت وقد لفت نظري (بروشور) كتب فيه بخط عريض وبلون أحمر قان (رحلة إلى صوفيا)، فسألت الموظف عن هذه الرحلة وأخبرني أن (صوفيا باخرة قديمة لشخص أوروبي علقت قبل عشرات السنين في مياه الخليج الضحلة وهي المخصصة لغباب المحيطات فلم يستطع أحد إنقاذها وبقيت شامخة في مكانها بعد أن يئس صاحبها منها وتركها واستأجر مركباً وغادر مع طاقمه لسواحل عمان حيث بوابة المحيط الهندي)، قلت لمحدثي لحظتها (أجل غرزت السفينة) ولم يعقب ويبدو أنه لم يستطع فك شفرة اللهجة المحلية لكنني استأجرت يختاً وذهبت مع عائلتي في رحلة مازلنا نتذكر تفاصيلها جيدا ونستحضرها في كل رؤية لسواحل الخليج ومع ذلك قادني فضول الإعلامي لمعرفة حقيقة (صوفيا) وبحثت طويلا حتى علمت أنها باخرة لوجيه أفرنجي عشق امرأة جميلة تدعى (صوفيا) وحين تزوج بها أراد أن يظهر لها مقدار ما يكنه من حب عظيم وقرر أن يجوب بها العالم على ظهر باخرة صنعت خصيصا له أطلق عليها اسم زوجته الغالية لكن مغامرتهم توقفت في الخليج بعد أن (غرزت السفينة). عادت بي الذاكرة لهذه القصة (عصرية الأمس) حينما كنت أقرأ قصة حياة النجم الأوروجوياني الكبير (لويس سواريز) الموجود حاليا على شواطئ البحر الأحمر في العروس بعد أن أوصله (كداد) من المطار إلى النزل الفاخر وقد ظهرت صورة (سيلفي) تجمع بينهما تبدو فيه نظرات سواريز نحو كتف السائق وهو الذي يعرف جيدا من أين تؤكل الكتف فيما بقي الآخر سعيدا على طريقة (ياغافل لك الله). في قصة حياة سواريز المليئة بحوادث المشاكسة خصوصاً تلك المتعلقة بعض المنافسين حتى أطلق عليه لقب (العضاض) هناك عبر كثيرة لعل من أهمها قصة علاقته بزوجته (صوفيا) التي استطاعت وهي ابنة الثلاثة عشر ربيعا أن تغير تفكيره وتساعده على استثمار موهبته الكبيرة في كرة القدم لتصنع منه نجماً عالمياً من خلال موقفين الأول عندما نجحت في انتشاله من حالة الإحباط التي كان يعيشها وقرر معها هجر كرة القدم بعد أن هجر أبوه بيته وتركهم مع أمهم ليتشتت شمل العائلة ومعه عقل سواريز قبل أن تعيد تجميعه صوفيا. والثانية حينما انتقلت هي للعيش مع أسرتها إلى أسبانيا لتعود له حالة اليأس والإحباط مرة أخرى لكنه ومن أجل صوفيا قرر العودة للكرة والسعي جاهدا في تطوير مستواه حتى يحظى بفرصة اللعب في أوروبا وهناك يستطيع أن يشاهد صوفيا مرة أخرى وقد تحقق له ذلك وهي الآن زوجته، الجميل في سيرة سواريز أن أبناء بلده ينظرون له على أنه رمز للكفاح وأنه أحد عباقرة الكرة ورموز المجتمع، فنظرتهم جاءت بالنظر للجوانب المشرقة المضيئة في حياته حينما نجح في استثمار موهبته ونقل أسرته من حالة الفقر المدقع إلى الثراء ولم يعيروا مشاكساته وخروجه عن النص أي اهتمام والفرق بيننا وبينهم أنهم ينجحون الفاشل ونحن نفشل الناجح. الهاء الرابعة: وإذا بليتُ بجاهل متغافلٍ يدعو المُحال من الأمور صوابا أوليتُه مني السكوت وربما كان السكوت عن الجواب جوابا ======== * نقلا عن (الرياضية) 9/10/2014