بعد ثلاثة أعوام من الأخبار الطيبة لأصحاب العقارات في بريطانيا جراء الارتفاع المتواصل في الأسعار، بدأت الريح تحمل لهم أنباء غير سارة بشأن المستويات السعرية العام المقبل. فقد أظهرت دراسة أعدها مركز الابحاث الاقتصادية والأعمال أن العام الحالي شهد أكبر زيادة في أسعار العقارات في المملكة المتحدة منذ عام 2007، إلا أن هذه الزيادة بلغت أقصاها. ويقول آندي نيل أحد المشاركين في الدراسة لـ "الاقتصادية"، إننا نتوقع أن يحقق سوق العقارات معدل نمو هذا العام يصل إلى نحو 7.8 في المائة وهو ضعف المحقق العام الماضي، إلا أن السوق سيشهد تغيرات ملحوظة العام المقبل، والمرجح أن تنخفض الأسعار بنحو0.8 في المائة. وحول الأسباب التي أدت إلى هذه التغير، يرى نيل أن السبب الأساسي هو القيود التي فرضتها الحكومة على منح القروض العقارية، فقد أصبح من الصعب على العديد من القطاعات وخاصة الشباب الحصول على قرض عقاري لشراء وحدة سكانية، وهذا بدوره أدى لانخفاض الطلب ومن ثم تراجعت الأسعار. روجر وليم رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة أندرو ريف العقارية يعتقد أن الانخفاض السعري مستبعد في لندن، وأن أسوأ وضع من الممكن أن يصاب به قطاع العقارات في العاصمة، هو بقاء الأسعار عند مستوياتها المرتفعة حاليا. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن لندن ستظل حالة استثنائية في سوق العقارات البريطانية، فجزء ملحوظ ومهم من الطلب العقاري في العاصمة مرجعه للأجانب، وهذا القطاع تحكمه قواعد مختلفة عن القواعد التي تحكم المواطن البريطاني الساعي للحصول على وحدة سكنية. وأشار إلى أن زيادة طلب الأجانب على العقارات في العاصمة متوقعة خلال العام المقبل، فالمشكلات والنزاعات السياسية والمسلحة تتزايد عبر العالم، وهذا يعني هروب رؤوس الأموال من تلك المناطق إلى المناطق الأكثر أمنا وجاذبية، وبريطانيا وتحديدا لندن في مقدمة مناطق الجذب. ويرجح البعض أن التراجع السعري المتوقع خلال العام المقبل عملية مستهدفة من قبل الحكومة البريطانية، عبر إحداث تغيرات في سياستها المالية تجاه هذا القطاع، وفرض المزيد من القيود على عملية الإقراض العقاري، في محاولة "لتنفيس" الفقاعة العقارية التي برزت خلال السنوات الأخيرة، نتيجة السياسات المالية التشجيعية لبنك إنجلترا بتسهيل الحصول على قرض عقاري، والمشاريع الحكومية المختلفة لتحفيز الراغبين في شراء وحدة سكانية لأول مرة على الإقدام وشراء ما يرغبون فيه. ويهدف بنك إنجلترا والحكومة من تقديم هذه التسهيلات والحوافز إلى إنعاش قطاع البناء والتشييد، على أمل أن يكون القاطرة التي تجذب المنظومة الاقتصادية برمتها، من الأزمة الاقتصادية المستفحلة منذ عام 2008، ورغم نجاح تلك السياسة في تحقيق جزء كبير من أهدافها، لكن تداعياتها الجانبية تمثلت في بروز الفقاعة العقارية، التي أصبحت تمثل عامل ضغط على مواصلة النمو الاقتصادي. وأشار الدكتور آرنست بيك فورد أستاذ الاقتصاد البريطاني في جامعة كنت لـ "الاقتصادية"، إلى أن التسهيلات الحكومية أدت إلى إدخال قطاعات جديدة وكبيرة من شرائح الطبقة المتوسطة إلى سوق العقارات وامتلاك وحدة سكانية، على الرغم من أن ظروفها المالية في الوضع الطبيعي ودون مساعدة الحكومة لا تسمح لها بذلك، وهذا أدى لزيادة الطلب ولم يستطع العرض أن يواكبه فارتفعت الأسعار بشدة، وقد خلق الارتفاع ضغوطا تضخمية على النظام الاقتصادي، والأكثر خطورة أنه إذ لم يتم التخلص منه بصورة تدريجية، فإن انفجاره جراء عدم قدرة الملاك الجدد على سداد المستحقات الشهرية للقرض العقاري يمكن أن يؤدي للعودة إلى بدايات الأزمة في 2008. وينظر بعض المسؤولين الحكوميين إلى ما يحدث باعتباره عملية تصحيح تلقائي من قبل الأسواق العقارية، ويحدوهم الأمل أن تتسارع عملية التصحيح تلك مع رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بداية العام المقبل، مؤكدين أن عملية التراجع السعري للعقارات عملية مؤقته لن تدوم أكثر من عام ، قبل أن ترتد مرة أخرى في اتجاه الصعود بحلول عام 2016 حيث يتوقع أن تحقق نموا بـ 2.6- 3 في المائة عام 2017 و2.7 العام الذي يليه. وكشف تقرير لبنك نيشن وايد أن أسعار المنازل تراجعت في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي لأول مرة منذ 17 شهرا، وتشير التقديرات إلى أن التراجع بنسبة 0.2 في المائة يعني خسارة الوحدة السكانية لنحو ألف جنيه استرليني من قيمتها. ويبلغ متوسط سعر المنزل حاليا في المملكة المتحدة 272 ألف استرليني (440.455 دولارا). وتشير عدد من وكالات النصائح المالية البريطانية إلى أن العديد من أصحاب الوحدات السكانية سيعانون بشكل حقيقي لإيجاد مصادر دخل تسمح لهم بسداد قيمة القرض العقاري، حيث ارتفعت قيمة القسط الشهري بنحو 150 جنيه استرليني فقط. ووفقا لمؤسسة خدمة النصائح المالية للمستهلكين وهي مؤسسة حكومية أسست عام 2011 لمساعدة الراغبين في شراء وحدات سكنية فإن 47 في المائة من أصحاب العقارات في بريطانية سيجدون صعوبة في دفع الأقساط الشهرية، إذا قام بنك إنجلترا برفع سعر الفائدة من 0.5 في المائة حاليا إلى 2 في المائة كما يتوقع البعض. ويبدو من البيانات الحكومية الرسمية أن مجموعة القواعد الجديدة المنظمة لمنح القروض العقارية قد حققت النتائج المرجوة إذ انخفض العدد الإجمالي للقروض الممنوحة من 66100 في شهر تموز(يوليو) الماضي إلى 64212 في شهر آب (أغسطس)، وتعوّل الحكومة على أن تنجح تلك السياسة في خفض تدريجي للطلب على العقارات حتى لا تصاب الأسواق بهزة عقارية، عندما يقرر محافظ بنك إنجلترا أن الوقت قد حان لرفع أسعار الفائدة.