بين الحين والآخر تتناقل وسائل الإعلام أخبارا عن عودة شبابنا من أراضي المعارك الدائرة في العراق وسوريا مظهرة دور السفارات في تسهيل عودة هؤلاء لأرض الوطن. وتراجع هؤلاء الشباب وإظهار رغبتهم في العودة مقلعين عن حماسهم في خوض المعارك (التجارية) لا يحدث إلا بعد تكشف الأوضاع على أرض المعركة إذ يكتشف الشاب أنه غدا مسيرا وفق الجماعة أو المخيم الذي وجه إليه، فمع تسليمه لأي كتيبة يفقد مباشرة قراره ويصبح مرتهنا لما يؤمر به حتى ولو كانت الأوامر تتنافى مع قناعاته فبمجرد تسليمه هناك أصبح مسيرا رغما عنه.. وهناك -على أرض المعركة- يكتشف اللعبة وأن الكل يقتل الكل فلا هدف ولا جهاد ولا راية مرفوعة إذ يتحول الفرد إلى رقم أو ضحية أو مشروع ضحية قادمة. وعودة هؤلاء الشباب محملين بتجارب مرة يجب استغلال تجاربهم لتقديمها لمن يماثلهم في السن كدرس حقيقي وواقعي لما يحدث من اقتتال سياسي يصور على أنه جهاد أو نصرة للإسلام والمسلمين.. فمثل هذه التجارب يمكن لها أن تحد من اندفاع شبابنا المغرر بهم وتكشف لهم طبيعة ما يحدث من اتجار بأرواحهم ومشاعرهم الصادقة التي تستغل في حرب مجانية (وأقول حرب قذرة) تذهب فيها أنفس بريئة صدقت ما يقال لها من نصرة للدين. واستغلال تجارب هؤلاء العائدين يمكن أن تجدول لهم جلسات متعددة على نطاق البلد، فيتحدثوا عن تجاربهم في المساجد والمدارس والتجمعات الشبابية.. أما أن تتم عودتهم ونكتفي بخبر عن هذه العودة ثم يغيب الشاب لقضاء مدة عقوبته نكون قد خسرنا تجارب يمكن لها تنبيه كثير من الشباب المنساقين للأفكار التحريضية أو الترغيبية لخوض غمار الحروب (المجانية) بدعوى نصرة الدين.. ويمكن لهذه الفكرة أن تتقاسمها وتعمل على تنفيذها عدة وزارات قد يكون أهمها: وزارة الداخلية ووزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الإسلامية ووزارة الإعلام بحيث تتحول الفكرة إلى نهج يطبق في كل مكان. وتصدق مقولة (ليس الرائي كالسامع) إذ يستطيع الشاب من خلال بسط تجربته على أقرانه إيقاظ السبات الذي يعيش فيه أمثاله.. وأعتقد أن أثر حديث الشباب العائدين عن تجاربهم سيكون أبلغ من أي شخص آخر يتحدث عن أخطار الزج بالشباب إلى المعارك وهو لم يجرب ما الذي يحدث هناك، والشاب المجرب يستطيع تقريب صورة الفرد عندما يجد نفسه في مواجهة الموت وهو لا يعرف لماذا يقاتل ويقاتل من... والملاحظ على العائدين أنهم لايزالون في أعمار مبكرة (ما بين 19-21 عاما) وهذه الأعمار يدخلها علم النفس التنموي في مرحلة الطفولة المتأخرة أي أنهم مازالوا أطفالا بالمفاهيم الحديثة وتختلف الدول في تحديد سن الطفولة والتكليف ومهما كان الاختلاف في تحديد سن الطفولة إلا أن العائدين هم أقرب لمن لم تكتمل خبرته أو تنضج تجاربه أو تتسع مداركه وطبيعة هذا السن الاحتدام واعتناق الأفكار على علاتها والانقياد والاندفاع والتصديق الكامل لما يقال له ممن يثق به سواء كان محرضا أو مستغلا أو ناصحا، وأبرز صفات هذه المرحلة العمرية الاندفاع التام من غير تبصر. فإن كنا على معرفة بطبيعة هذه المرحلة العمرية فهذا يقتضي تغير أساليب التعامل وإدخال التنوع الثقافي لحياة هذا الشاب كأمر ملح من غير تركه رهينة لأفكار محددة وأحادية التوجه والثقافة إذ لا بد من تزويده بثقافة متنوعة وكاشفة وملء حياته بأنشطة مختلفة تمكنه من الاستيعاب ومعرفة أن كل شيء يمكن أن يحمل على وجوه عديدة. ما عدا هذا فسوف نجد أن شبابنا يغامرون بأنفسهم حتى إذا تكشف لهم الواقع الذي ذهبوا إليه بدأت الرحلة العكسية وهي محاولة الهرب من أرض المعركة والعودة إلى الوطن ويبدو أن قلة قليلة يحالفها الحظ وتعود سالمة قبل أن تموت هناك.