حين يحرص كاتب الرأي على ألا يسمع الناس منه من الآراء سوى ما يحبون وما يوافق أهواءهم، هل هذا يعني أنه يقدم رأيا حرا، يريد به خدمة المصلحة العامة؟! أم أن من يفعل ذلك لا يزيد عن أن يكون تاجرا يبحث عن تسويق منتجاته بصرف النظر عن أثرها العام نفعا أو ضرا؟ فكما يحلم التاجر بجزالة الربح المادي الذي يجنيه حين يعرض على الناس ما يحبون من البضائع، يحلم هو بجزالة التصفيق الذي يصم أذنيه، متى حدث الناس بما يرضيهم ويوافق ميولهم. من يسير قلمه تصفيق الجمهور وتهليله، لا يكون كاتب رأي، وإنما يكون ظلا للجمهور يتحرك وفق حركته! كاتب الرأي هو المصباح الذي ينير الطريق للجمهور، فيرى الناس من خلال ضوئه ما خفيت عليهم رؤيته من قبل، ومن المستبعد أن يكون كل ما يقوله كاتب الرأي مرضيا للناس، ففي بعض الأحيان قد يقول ما يثير غضبهم، لكنه يجد نفسه مضطرا لقوله، حتى وإن كرهوه أو هاجموه، لأنه في ميزان المصلحة العامة هو الأرجح كفة. لذلك فإنه ليس كل من ادعى أنه كاتب رأي هو كذلك، فكاتب الرأي لا يستحق تلك الصفة إلا متى توفرت فيه خصال أربع: الخصلة الأولى الأمانة، فتدفعه أمانته على الحرص على خدمة المصلحة العامة، التي هي عادة تعني مصلحة الأغلبية حتى وإن تضررت القلة، التي قد تكون ظالمة أو متسلطة أو جاهلة أو متطرفة أو غير ذلك. والخصلة الثانية سعة الاطلاع والفهم، فكاتب الرأي لابد له أن يعلم كثيرا مما يدور حوله، وأن يفهمه بعمق، كي يكون رأيه نافعا، فكتابة الرأي ليست مجرد ثرثرة كلام أو تنفيس عن انفعالات ما يلبث أن ينطفئ. والخصلة الثالثة الجرأة، فيجد في قلبه الشجاعة الكافية لأن يقول ما يراه حقا ونافعا، حتى وإن توقع أن كلامه سيغضب بعض الناس الذين يخالفونه الرأي أو رأيهم يضر بمصالحهم، وسواء أحبه الجمهور أم كرهه! والخصلة الرابعة التضحية، فكاتب الرأي الأمين هو الذي يقول ما يؤمن بصوابه ومنفعته، غير مكترث لما قد يحل به من أذى بسببه، كتعمد إهماله وعزله وإقصائه، أو ذمه، أو التأليب عليه، أو تلفيق التهم له، أو غير ذلك، فهو يؤمن أن لكل شيء ثمنا، وصاحب الرأي الحر عليه أن يدفع الثمن، وإلا تساوى مع غيره فلا يحق له أن يتباهى أو يفخر بأنه كاتب رأي وصاحب قلم.