ما عرفت أخي وصديقي علي مغاوي، إلا مبتسما، مقبلا على الحياة، محبا لمن يرونه عدوا، ويراهم أحبة، قبل الذين يرون فيه الصديق الذي جمع مروءات الأرض وساكنيها كلها. .. ولأنه كذلك، فلم أكن قادرا على أن أتخيل أبا خالد إلا هاشا باشا، يروي أجمل الشعر، ويتحدث عن أجمل المواقف، ويفصل القول في جماليات الأماكن والشخوص والحياة والأشياء. ولم أستطع أن أتخيل أبا خالد دون "سالفة طازجة" عن موقف طريف مع خالد، وبقية "امعوال"، ودون ما صار يردده أخيرا عن "سلاف" بنت خالد، التي أعادت علياً طفلاً كما أراد الله لقلبه الطفل أن يكون. أول من أمس، فجع الأديب علي مغاوي بوفاة ابنه "خالد"، وحفيدته "سلاف"، بعد حادث مروري، يشبه الحوادث المرورية التي تتخطفنا كل يوم، دون حروب، أو مجاعات، أو أوبئة؛ تتخطفنا دون مقدمات، أو إرهاصات، أو أي صوت ينذر، أو ضوء يحذر، ليكون الموت - الذي لا جمع له في لغتنا، إلا بتمحك - مضاعفا أضعافا كثيرة، في آثاره وحجم ألم الأحياء من فقد الراحلين بلا عودة. الفجأة نفسها كافية للتدليل على حجم الفجيعة، وهي لا تكون إلا في "الحوادث" التي لم تعد مرتبطة بمضاف إليه سوى "المرورية"، دون أن نرى في آخر النفق بصيصا من نور يهبنا أملا في أننا لن نفجع بحبيب، أو قريب، أو نغادر، دون إنذار سابق، سوى إيماننا بأنه "لا تدري نفس بأي أرض تموت". أبا خالد: أنت المؤمن، ولا عزاء للمؤمن سوى الإيمان بأن لله ما أعطى، وله ما أخذ.. وأنت ذو الوعي، وليس أحد كذي الوعي قدرة على تجاوز المآسي، وأنت القوي بالله، ولا أدل على أنك القوي من أنك نجحت في: إيصال رسالتك الثقافية، وخدمة ثقافة مكانك، وجمع القلوب على قلبك. ولما كنتَ أولئك كلهم، فأنت – بالله – قادر على تجاوز الحزن، والذهاب - قافلا - إلى جمال يشبه روحك وأرضك ولغتك ونقاءك. نعم؛ محبوك الكثيرون يقاسمونك الحزن، ويشاطرونك الألم، حتى كأن قلبك – الآن – في صدورهم، وحشرجاتك تنطلق من حلوقهم، بل إنهم يتمنون أن يزول همك، فيحملونه عنك كله، وأنت بذلك عليم، لكنهم – في الوقت ذاته – يعرفون أنك المؤمن، القوي، الواعي، ويؤسسون على ذلك يقينَهم بأنك علي مغاوي الذي عرفوه "أيقونة" للحياة، و"رمزا" للسلام مع الذات، و"علامة" على مواطن الاخضرار، و"لافتة" لا تشير إلا إلى الجمال بمعناه المطلق، ولذا فإن حزنك لا يقلقهم، وإن شاركوك إياه. أبا خالد: إن الدعاء لـ"خالد" بجنة عرضها السماوات والأرض، والإيمان بأن رحمة الله وسعت كل شيء، هما ركنا الطمأنينة التي تبقيك لنا "علي مغاوي" الأخ الأكبر، والصديق الأصدق، والأديب الذي أحبه الأدب؛ لأنه وجد فيه محبَّه الصادق. أما "سلاف"، فهي روح خُلقت للجنة بإذن خالق الجنة، وغارس براءتها. "بي عنك".