×
محافظة المدينة المنورة

عام / خطبتا الجمعة / إضافة أولى

صورة الخبر

يحق لنا في المملكة العربية السعودية ان نفخر وفي كل عام برعاية وخدمة ضيوف الرحمن، خدمة تتكامل دوما عاما بعد عام، تولي فيها الدولة ومؤسساتها كافة الجهود اللازمة لنجاح هذه الشعيرة المباركة، لكافة حجاج بيت الله، الذين قدموا من بلادهم لتأديتها، فكان علينا ان نقف على خدمتهم بما يليق بهم وبنا وبهذه البقعة المقدسة لدى عالمنا الاسلامي، والتي تعتبر قبلة المسلمين ومهوى افئدتهم ووجهتهم وغايتهم النبيلة. في هذه الشعيرة يتجرد المسلم من كل جوانبه المادية، يتحلل منها، يتركها خلفه فارا الى الله سبحانه وتعالى، متطلعا ومتمنيا وبقلب خالص لله، التخلص من الذنوب وما علق بالنفس من قضايا مادية وخلافية، ليعود بقلب خالص لله لا تشوبه ضغينة ولا تدلف اليه فتنة او عمل لا يقربه الى الله، ونظرا لأن الحج اجتماع للكلمة ووحدة مؤكدة للمسلمين فإن الحج يذكرنا برسالتنا الاسلامية القائمة على المصداقية والمحبة الانسانية والعمل في سبيل الله، فمدرسة الحج مدرسة إلهامية تعيد بناء التوازن الفكري والثقافي لدى المسلمين في مغارب الارض ومشارقها. وعلى الرغم من حدة الظروف الاقليمية، وحدة الاقتتال، والتداعي على ثروات الامة من كل حدب وصوب، ولان هناك من ينخر في جسم الامة، ويعمل على اضعافها ووهنها بدلا من عزتها، فقد كانت المملكة باستمرار لسان حال العالم الاسلامي في رؤيتها وتفكيرها وسياساتها، بما يخدم الامة ويحفظ أمنها واستقرارها وهيبتها ومكانتها، ولهذا كان موقفها واضحا من تلك التنظيمات والحركات المتطرفة التي ارادت اختطاف الاسلام، وجعله اسلاما للتدمير والقتل والدماء، لا اسلام الامن والتنمية والتسامح والحوار. فقد ظلت المملكة- يحفظها الله- باستمرار تنظر للحج مفصولا عن تلك الظروف التي تنغص على الحجاج ممارستهم لشعيرتهم تلك في جو من الامن والامان، ولهذا عملت دائما على عدم تسييس الحج، وجعله اداة لسياسات ومصالح دنيوية قاصرة. ولهذا عكفت المملكة دائما على تأمين الاستعدادات اللازمة لحج آمن ومستقر، لا تشوبه فوضى او ازعاجات، باعتباره مهمة دينية وشعيرة يتقدم بها الحاج طمعا في المغفرة من الذنوب، تخلص فيها روحه ومشاعره لله، يبتعد فيها عن صغائر الدنيا مهما عظمت. خبرة المملكة في ادارة الحج وتفويج الحجيج وإدارة هذا الكم الكبير من البشر، في مساحة محدودة ومشروطة الاتجاهات والمسافات، صنعت خبرة كافية للتعامل مع هذه الشعيرة ومع هذه الحشود، التي تأتي من كل فج عميق، بلغات ولهجات وعادات مختلفة، عبر تقديم خدمات كاملة من خدمة ادارية وأمنية وصحية واقتصادية، ولتتوحد جميعها في اللباس وفي الحركة وفي الاداء والصلوات والعبادات. خدمة حجيج وضيوف الرحمن تعتبرها المملكة شرفا لا يوازيه شرف، ولهذا تحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- على تسخير كافة الامكانات لتقديم افضل خدمات الرعاية لهم وفي مختلف المجالات الامنية والصحية والادارية والخدمات التطوعية على الخصوص، فقد حشدت وزارة الصحة 24800 من كوادرها الصحية والفنية ضمن منظومة خدمية صحية شملت 25 مستشفى لخدمة ضيوف الرحمن، والسهر على راحتهم وصحتهم لتمكينهم من اداء هذه الشعيرة على أكمل وجه. كما ان وزارة الداخلية، وعلى رأسها الامير محمد بن نايف وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا وكذلك الامير مشعل بن عبدالله أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، كان لهم الدور الاكبر في متابعة التفصيلات الدقيقة لسير الخطة الامنية الخاصة بأمن واستقرار ضيوف الرحمن لهذا العام 1435 هـ، وبتوجيهات عليا ومباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز الذي اشرف بنفسه نيابة عن خادم الحرمين في الاشراف المباشر على حج هذا العام. ان نجاح حج هذا العام يكتب ويضاف الى الرصيد الكبير لجهود المملكة ودورها ورسالتها في خدمة الاسلام والمسلمين في كافة بقاع الارض، ومساعدتهم وتمكينهم للقيام بشعائرهم دون أي ازعاج أو ما يعكر صفوهم. ان المملكة تثبت دائما انها بلد الامن والاستقرار، وانها الاكثر قدرة على التعامل مع هذه الجموع وبما يليق بالاسلام والمسلمين وبخدمتهم الجليلة التي تعتبرها المملكة واجبا تسعى الى تقديمه بكل امانة ومصداقية وكمال. فمن ينظر الى جموع الحجاج المسالمة والمطمئنة، والذين أتوا من كل فج عميق، وهم متشوقون لأداء هذه الشعيرة في هذه الارض المباركة، وبهذه الخدمة الجليلة المتكاملة، مخلصين لله، وهم متساوون في مظاهرهم وفي عباداتهم وملبسهم، فإنه ليحزنه ما يحل بعالمنا الاسلامي من فوضى واختلاف وعدم اجتماع للكلمة وقصور في الرؤية الاستراتيجية التي تخدم هذه الامة وتمد في عزتها واستقرارها. المملكة- ومن باب قيامها بمسؤوليتها الدينية- فإنها تؤكد باستمرار على ان رسالتها هي خدمة الاسلام والمسلمين، وخدمة وحدتهم وامنهم واستقرارهم وانها مع وحدة كلمتهم في ظل ظروف اقليمية قلقة تستدعي مزيدا من التكافل والتناصح والتعاون.