صدر حديثا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة د.أحمد مجاهد، في سلسلة "رائدات الرواية العربية" رواية بعنوان "نفرتيتي" تأليف سنية قراعة، تقديم ودراسة غراء حسين مهنا. وهي رواية تاريخية تتخذ التاريخ موضوعا لها وتقع في منطقة وسطى بين الخيال والواقع والأدب والتاريخ. وتقدم المؤلفة الملكة المصرية نفرتيتي زوجة الملك اخناتون الفاتنة التي غيرت التاريخ المصري القديم وسبقت بالتفكير عصرها، وآمنت بفكر زوجها وشجعته على فلسفته، هذه الفلسفة التي تؤمن بالخالق الاكبر والتي تكمن في عبادة القوة المستترة آتون وهي أول وحدانية عرفها التاريخ. ونلاحظ أن أغلب الشخصيات التي تناولتها سنية قراعة تنتمي إلى التاريخ ولا تنتمي إلى الوقت الراهن، وهنا سندرك قدر المخاطرة الأدبية التي كانت تقوم بها كلما مارست الكتابة. وهي تتميز بقدرتها على إضفاء العناصر الدرامية والتخيلية، التي هي من صميم الكتابة الأدبية، على شخصيات تاريخية خالدة، ما يدل على جرأة شديدة من سنية قراعة، كما أن نجاحها في ذلك يدل على براعة أشد. من الواضح أن المسألة بالنسبة لسنية قراعة ليست مجرد كتابة قصة بل هناك قدر من الاشتباك والمحاججة والدفاع عن الشخصية وإنكار ما قد يثار عن الشخصية المحكي عنها من شائعات سلبية. ومن أكثر المصاعب التي وجهت الكاتبة سنية قراعة تصوير شخصية (نفرتيتي) ورسم رحلاتها نحو الارتقاء الروحاني وهذا يتمثل في أن الرقي يعتبر صفة موجودة بالقوة منذ البداية لدى هذه الشخصية الخالدة، بحيث يصعب على الكاتب المبتدئ تتبع تجليات ظهور ونمو هذا الرقي لحظة بلحظة، وبهذا يغادر القارئ قصته، لأنه يجدها خالية من عناصر المفارقة والتضاد والصراع الدرامي العنيف التي تتوافر للقصص التي تتناول الشخصيات التاريخية من وحي الخيال الأدبي. لكن الكاتبة سنية قراعة تمكنت من تصوير لحظات نمو الشخصية الخالدة رغما عن التوقعات المسبقة الموجودة لدى القارئ، بل وقدمتها للقارئ بشكل مستجد عليه، حتى يثير استحسانه، ويختلف عن توقعاته دون أن يخالفها وتلك مهام على درجة كبيرة من الخطورة والدقة.