×
محافظة المنطقة الشرقية

تراث المصريين يجذب زوار سوق عكاظ

صورة الخبر

كنت أتابع محمود عبدالغني صباغ كاتبا كواحد من أجود وأمهر الكتاب الشباب؛ لإعجابي الشخصي بأسلوبه في الكتابة وتميزه الدائم بأفكاره القوية والمعبرة والمدعمة دائما بأعلى درجات الإبداع الوثائقي.. إضافة إلى أسلوبه العميق الشارح والمكثف في الوقت نفسه.. كان ما يميزه عن غيره أفكاره المحددة التي يعبر عنها مباشرة في كل مقال.. وكانت الأصالة تتربع دائما على تلك الأفكار وتعكس ثقافة حياتية متنوعة رغم صغر سنه واطلاعا كبيرا على كل ما يحيط به من دون حدود أو فواصل أو رقيب على فكره وضميره سوى عقله ومبادئه.. لذا فعندما دعانا الكريم (أبو الشيماء) الأستاذ محمد سعيد طيب صاحب الابتكار الأسبوعي الحضاري في التواصل، حيث يختصر الجميع في جلسة كيمياء الروح وفيزياء الجسد.. وأبو الشيماء رجل من طراز خاص يعيش الحياة كقوس قزح بكل أطيافه، وهو رجل حميم كصوت همومنا يحول دائما الحزن فينا إلى سيمفونية فرح؛ لذا حفر هذا الرجل في قلب كل منا مساحة وتقوقع فيها.. كانت الدعوة هذه المرة لمشاهده فيلم للمخرج محمود عبدالغني صباغ.. فيلم وثائقي قصير بعنوان (مما جرى في بطحاء مكة) عن الأديب والشاعر الكبير الراحل «حمزة شحاتة».. كان الفيلم وثيقة أدبية في أدب وحياة حمزة شحاتة الإبداعية، مدعوما باللحظات والمواقف والأشخاص ذوي الصلة بثقافته وإنتاجه الأدبي.. مناطق في حياة حمزة شحاتة تعرفنا عليها من خلال ذكريات من عاشوا بالقرب منه ومن زمانه الأستاذ عبدالله خياط والأستاذ عبدالله أبو السمح والأستاذ محمد سعيد طيب والأستاذ حسن أشعري والدكتور سعيد السريحي والأستاذ محمد صالح باخطمة والأستاذ عبدالرحمن بن معمر والدكتور عبدالله مناع.. الفيلم نص يواصل كتابة ذاته.. فيلم كامل الأوصاف.. فيلم مختلف في مذاقه.. لقد ظننت قبل أن أشاهد الفيلم أنني سأشاهد تجربة مخرج شاب في مقتبل الفن السابع، فإذا بي أفاجأ بمخرج من مستوى الكبار.. الكبار.. فالعمل ليس فريدا في نكهته، بل ذو قيمة.. وقيمته أن جعلني أستغرق في حالة عجيبة قد توصف بالتنقل البديهي من الهنيهة إلى كل الزمان بدهشة الأسطورة، ومن النقطة إلى مدى المسافة.. لقد مارس محمود الفن حتى آخر الحب لحمزة شحاتة.. أستعرض في فيلم قصير أبعادا حضارية كنت أجهلها عن حمزة شحاتة.. لقد خلط محمود عبق الزمان بصوت طلال مداح بسيره حمزة شحاتة ورفعها إلى مستوى الدهشة.. الفيلم نظرة طائرة ــ كما يقولون ــ على المسيرة الإبداعية للرجل دون الدخول في تفاصيل كل عمل له على حدة، وهذه تحسب لمحمود، فقد قدم لنا هذه المرة حمزة شحاتة وأدبه على نحو مختلف عما قدمه النقاد بمدارسهم المتباينة والمتنوعة، وعلى نحو مغاير لما قدم به الرجل وأدبه في معالجات أخرى صحفية، ما يجعلنا أمام حالة جديدة في عالم الفن الإبداعي.. ما فعله محمود أنه قام بتقريب هذا الرجل وأدبه إلى القراء، خصوصا الشباب، فهم تلك الفئة التي تخطفتها وسائل التكنولوجيا الحديثة وصرفتها عن الكتاب وحدت من أثره فيهم كوسيلة من وسائل المعرفة والثقافة والترفيه.. لقد أمسك محمود بروح الشخصية من الكلمة الأولى في الفيلم، وهذا هو الفيلم الوثائقي القصير المتكامل، فليس لديك من الوقت القصير متسع لرسم الشخصية، ومع ذلك، فلا بد أن تكون واضحة المعالم للمتلقي (المتفرج)، وفعلا هذا هو الفن.. يخلد يد الفنان الذي يخلد ما تخطه يداه، ولقد خطت يد محمود فنا جميلا في أرقى تجلياته نحو معاني الحق والخير والجمال والمعرفة والتنوير.