الأحوال الصحية للسيد روبل ليست كما يرام في هذه الأيام. فهو غدا من أبرز ضحايا المواجهة الروسية – الغربية، وفَقَدَ ثلث «وزنه» خلال أقل من شهرين بسبب العقوبات، وما زال يترنح متأثراً بالضربات المتتالية التي تلقاها وآخرها الصعود القوي لنجم عدوه اللدود مستر دولار، على وقع تراجع أسعار النفط. أخبار ليست سارّة لروسيا التي تعدّ لـ «معركة طويلة» مع خصومها في الشرق والغرب، خصوصاً أن هذه الأنباء تزامنت مع بدء ظهور التداعيات على قدرات المَحافِظ الهزيلة للمغلوبين على أمرهم، من الفئات التي تراوح مكانها عند خط الفقر. هؤلاء يراقبون بفزع القفزات المتتالية للأسعار على واجهات المتاجر، ولا يخفي كثيرون سعادتهم لأن المواد الأساسية مثل السكر والطحين والحليب لم تتأثر كثيراً بهزات السوق، وحافظت اسعارها على استقرار نسبي على رغم الارتفاع «التقليدي» بسبب التضخم، وهو امر مقدور عليه في كل الأحوال. أما المواد «الكمالية» فيمكن الاستغناء عنها، وهي أصلاً لم تكن ضيفاً دائماً على موائد نحو 30 في المئة من الروس، وتدخل ضمنها الأجبان بكل أصنافها المستوردة من أوروبا والأسماك النروجية، والدجاج الأميركي ولائحة طويلة جداً تصل في نهايتها الى الخضار والفواكه الطازجة التي باتت بضاعة نادرة لا يقوى على شرائها سوى الميسورين. ومن الطبيعي أن تكون العلاقة جدلية بين الوعكة الصحية الخطرة للرفيق روبل وارتفاع الأسعار، ويسعى المصرف المركزي الروسي إلى كبح جماح التدهور لكن الأمر لن يكون سهلاً، مع تقديرات بأنه سيضطر الى إنفاق أكثر من 200 مليون دولار يومياً، فقط للحفاظ على سعر الصرف، ويبدو ذلك ضرباً من المستحيل، خصوصاً مع تضخُّم «طوابير» الشركات التي لجأت إلى الحكومة طالبة مساعدات، بعدما تعرّضت لهزات قاتلة بسبب غياب الاستثمارات الغربية وتجميد قروض لها من المصارف الأوروبية. ويلوم خبراء أسعار النفط في كل المصائب التي بدأت تطفو أو قد تظهر لاحقاً، على رغم ان عملاق النفط الروسي «روسنفط» حاول ان يقلل المخاوف، بإعلان توقعات بقفزة كبيرة للأسعار تصل بعد ست أو سبع سنوات الى اكثر من 150 دولاراً للبرميل. لكن المؤسف ان العملاق قد لا يعيش بالرخاء السابق ذاته لكي يرى ذلك الوقت، بعد الإعلان عن احتمال تخصيص جزء من أسهمه قبل نهاية هذه السنة. أما الحكومة التي تؤكد ان «كل شيء تحت السيطرة» وأنها قادرة على «التعايش مع الوضع الجديد» وتجاوز تداعياته بأقل الخسائر، فبدأت تفكر جدياً في ترشيد النفقات. وأعلنت وزارة المال أنها بدأت تميل إلى تقليص موازنات برامج حكومية، بعضها حيوي جداً مثل صناديق المتقاعدين، إضافة إلى برامج أخرى تعهّد الرئيس فلاديمير بوتين في السابق تمويلها بسخاء وبات عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته. وربما يطاول الخفض فئات من الموظفين الحكوميين الذين يمكن الاستغناء عنهم، ما قد يعني زيادة منتظرة في عدد أصحاب المَحَافِظ المعتمدة على الروبل المرهق، في مقابل المَحافِظ السمينة التي تتعامل بالدولار.