انضمام المقاتلين الأجانب في صفوف ما تسمى بالدولة الإسلامية والمعروفة إعلامياً بداعش قد تكون أحد أسباب القوة العسكرية التي طرأت على المجموعات التكفيرية المسلحة في المناطق التي يسيطرون عليها في العراق وسوريا، فهناك بعض التقارير تشير إلى أن المقاتلين الأجانب يشكلون قرابة 80 % من قوة «داعش»، وأن النسبة الأكبر جاءت من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإمريكا على سبيل المثال والتي صدرت الإرهاب وما زالت على مدار عقود طويلة. أغلب المقاتلين الأجانب انتقلوا لصفوف الدولة الإسلامية بخبراتهم التي تم توظيفها على أكمل وجه حقق لهذه الدولة مزيداً من القوة على أرض الواقع عندما مارسه إرهابها، حيث ساعدهم على المشاركة في تخصصات نادرة تحتاجها لتسيير شؤون الإرهاب بعد دخول العراق وسوريا، ولعل الإخراج المتميز والعناوين البرّاقة التي خرجت بها مجلة «دابق» الناطقة باسم المجموعات الإرهابية، على سبيل المثال، والتي تنافس المجلات العالمية يعود في الأساس إلى هذه الخبرات التي تزداد أعدادها بين اليوم والآخر من خلال التحاق المقاتلين الأجانب بصفوف القتال مع «الدولة الإسلامية». الأجانب في صفوف «داعش» ظاهرة قتال الأوروبيين في صفوف الدولة الإسلامية أثارت تساؤلات مشروعة، منها الجغرافيا البعيدة بين مجتمع هؤلاء وأولئك، ولعل التكنولوجيا وعصر السماوات المعروفة صنع حالة التواصل والاتصال التي أقنعت البعض بالانضمام لصفوف المقاتلين؛ وهؤلاء أغلبهم أشهروا إسلامهم حديثاً، ولم يتلقوا الإسلام الصحيح من مصادره ولم يعرفوا وجهته الحقيقية، فظنوا أن الإسلام قتال، فهبوا للسفر للمناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلاميةلخوض المعارك معهم. وتفيد الدراسات، ومن بينها التي أجراها المركز العالمي لدراسة التطرف بجامعة لندن أن العدد الإجمالي للمسلمين الأوروبيين الذين حاربوا في سوريا، أو ما زالوا هناك، قد يتجاوز 2400، وأكدت الدراسة أن هناك 55 % من المجاهدين الأجانب أعضاء في الدولة الإسلامية، و14 % ينتمون إلى جبهة النصرة، بينما الجيش السوري الحر ولواء التوحيد وأحرار الشام الأقل بنسبة تتجاوز 2%، ويقدِّر تقرير آخر عن «مجموعة سوفان»، وهي مكتب استشارة، أن ثلاثة آلاف محارب تنقلوا إلى سوريا من بلدان غربية للمحاربة مع مجموعات متمردة تحت سيطرة المتطرفين الإسلاميين، ووفقاً للتقرير، تتوزع أعداد الأوروبيين الموجودين في سوريا والعراق، على النحو التالي؛ فهناك 700 قادمون من فرنسا، و400 من بريطانيا، و100 من الدنمارك، و120 من هولندا، و51 من إسبانيا وفي ألمانيا، وفقاً للمكتب الاتحادي الألماني لحماية الدستور، هناك 321 ذهبوا إلى سوريا، وعاد منهم مائة ولديهم خبرات قتالية، بينما نجد أن 50 من إيطاليا يحاربون ضمن صفوف الدولة الإسلامية، وفي إسبانيا فقد قبض على ثمانية بزعم تجنيدهم لقوات الدولة الإسلامية. والأمر المثير للدهشة، أن استطلاع رأيٍ أجرته وكالة فرنسية تُدعى (ICM)، كشفت أن نحو 16 % من المواطنين الفرنسيين يدعمون الدولة الإسلامية، وفقاً للاستطلاع ذاته يتعاطف نحو 7 % من العينة التي أجراها المركز من البريطانيين والألمان مع الدولة الإسلامية، وقد تسوقنا تلك النتيجة اللافتة للاستطلاع إلى اتجاهين؛ أولهما، أن عدداً لا يُستهان به من الأوروبيين قد كفر بسياسات الدول الكبرى ووجد أنها لا تختلف عن تنظيم الدولة الإسلامية سوى في الوسيلة وطريقة تسويقها، لذا كان تعاطفها مع الدولة الإسلامية ربما نكاية في الدول الكبرى، وقد يذهب الاتجاه الثاني إلى إيمان البعض بأن قوات الدولة تتعامل في إطار رد الفعل قبل الفعل وأن سلوكها هذا الآن ربما نتج عن السياسات الأمريكية في العراق والتهميش الذي حدث للسنة تحت حكومة المالكي. الأخطر هو ما يبدو من وجود خلل حقيقي لدى المنظومة التعليمية داخل دول أوروبا والتي يتلقى فيها المسلمون دينهم، ونقصد هنا المراكز الإسلامية، أو عدم سيطرة هذه المراكز على أغلب المناطق الشاسعة لهذه الدول مما يجعل كثيرين يتلقون دينهم بعيداً عنها، وهو ما ينتج عنه التلقي الخاطئ. ويبدو أن سياسات هذه الدول تؤدي في النهاية إلى التطرف، ونقصد هنا السياسات الخاصة بفكرة اضطهاد المسلمين أو عدم السماح لهم بممارسة شعائرهم أو التعبير عن أنفسهم وهويتهم، وكان ذلك واضحاً في قضية المآذن والحجاب في عدد من الدول، وهو ما يجعل بعض المسلمين يفكر بطريقة المؤامرة على الإسلام، وتكون المواجهة أولى الصور التي تتبادر إلى ذهن هؤلاء المسلمين. أكثر من 12 ألف مقاتل لقد تجاوز عدد المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا؛ خلال السنوات الثلاثة الماضية؛ ال12000 مقاتل، وأنه تجاوز عدد الذين وفدوا إلى أفغانستان؛ خلال فترة احتلالها من قبل الاتحاد السوفيتي الذي استمر 10 سنوات. وأوضح التقرير أن المقاتلين يأتون من 81 دولة، من القارات الخمسة، وأن العدد الأكبر من منتسبي الدولة يأتون من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكان منسق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي «فيليس دي كيرجوف»؛ قدّر في أبريل الماضي عدد الذين ذهبوا من دول الاتحاد الأوروبي؛ للقتال في سوريا ب 2000 شخص، في حين كان تقديره في العام السابق لتقديره الحالي لا يتجاوز ال 500 شخص، وهو ما يعني زيادة كبيرة خلال عام واحد. ووفق معلومات حصل عليها القائمون على التقرير من وحدات الأمن من بعض الدول؛ فإن تونسيي الجنسية يتصدرون عدد المقاتلين الأجانب الذين ينتمون إلى دول متعددة منها: السعودية، المغرب، الجزائر، أما المقاتلون من الجنسيات غير العربية فهم كالتالي: من فرنسا، ومن بريطانيا، ومن روسيا الاتحادية، ومن تركيا، ومن أستراليا، ومن الدنمارك، ومن الولايات المتحدة، وهناك تقارير أشارت إلى أن الأمريكيين يقدرون بمائة مقاتل. وأفاد التقرير أن 6% من المقاتلين الأجانب في التنظيم – القادمين من أوروبا – هم من الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً، كما أن معظم الذين يأتون من الدول غير المسلمة؛ هم من الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين المسلمين في تلك الدول. عودة المقاتلين الأجانب لبلدانهم إن الخطورة تكمن في أن هؤلاء المقاتلين الأجانب قد يعودون إلى بلدانهم مرة ثانية وقد اكتسبوا مهارات عسكرية من خلال التدريب، فضلاً على أفكارهم المتطرفة، وهو ما يؤدي إلى انتشار العنف والتطرف وانتقاله إلى هذه الدول، حتى تصبح مصدرة له، فالعنف مثل بعض الفيروسات التي تنتقل من خلال الهواء وبمجرد الاستنشاق. وتشير تقارير استخباراتية إلى أن أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف الدولة الإسلامية تقارب نصف مقاتلي التنظيم، وإن صحت هذه الأرقام، فهذا يدل أن هناك مشكلة حقيقية في تصدير دول أوروبا للإرهاب داخل أوطاننا العربية وليس ما تروجه أوروبا أننا كعرب دائماً نصدر الإرهاب لهم، والمشكلة ليست في تصديرهم للإرهاب وإنما في أن هؤلاء يقطعون جوازات السفر ويصرون على القتال حتى الموت. وسائل إغراء وهناك وسائل كثيرة تحاول الدولة الإسلامية استقطاب المقاتلين الأجانب من خلالها، يأتي في مقدمتها، وسائل التكنولوجيا الحديثة والتواصل المباشر بين من انضم لصفوف الدولة وبين أصدقائهم ومحاولة إقناعهم بذلك، حتى إن بعضهم وصف حياة الجهاد بأنها أفضل من أي حياة أخرى، لأن المقاتل أو المجاهد يأخذ جزءاً معلوماً من الغنائم وبالتالي تصبح حياته ميسورة. لقد تكفلت الدولة الإسلامية بتزويج من يرغب في الزواج وإعانتهم مادياً وتقديم دعم لإتمام العلاقة بما يحتاجون من أموال، وهذه الكفالة دفعت البعض للالتحاق بصفوف هؤلاء المقاتلين أو على الأقل شجعتهم على ذلك. ويقول مصدر أمني في الشرطة الفرنسية إن ثلثي الأشخاص الذين غرقوا في إيديولوجيات التشدد الإسلامي عبر الإنترنت لم يكونوا معروفين لدى أجهزة الاستخبارات، وهذه الظاهرة في ازدياد سريع، وبدأت تطول أكثر فأكثر الإناث. وذكر هذا المصدر أن، التربية الدينية لم تعد ضرورية، والدليل على ذلك أننا نشاهد أحياناً تعليقات من هؤلاء الشبان من نوع «أنا آخر همي الإسلام، إنني أقوم بجهادي الشخصي». وهكذا يتم التسويق لتنظيم الدولة الإسلامية على أنه الجنة المنتظرة حيث الأموال متوافرة بكثرة». وتقدم شبكات التواصل الاجتماعي الكثير من النصائح العملية بهدف تمكين هؤلاء المقاتلين من التوجه إلى سوريا والعراق من دون إثارة شكوك العائلات والسلطات معاً، وبالنسبة لغالبية الأوروبيين فإن الاتصال الأول المباشر بين المجند الأوروبي وأحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية لا يتم إلا في منطقة العبور بين الحدود التركية والأراضي السورية، أي قبل الانتقال مباشرة إلى سوريا، لذلك تقف أجهزة الشرطة في غالبية الأحيان عاجزة عن تعقب هؤلاء الشبان الذين لا سجل لهم لدى القضاء ويبدون كأنهم من السياح العاديين، وعندما تم إنشاء جهاز «المديرية العامة للأمن الداخلي» الجديد في فرنسا كان الهدف منه توظيف مهندسي كومبيوتر قادرين على تحسين قدرات كشف المجندين المحتملين للقتال في سوريا على شبكة الإنترنت، وتقوم مواقع التواصل الاجتماعي عادة بإغلاق الحسابات التي تتعارض مع شروط الاستخدام مثل تمجيد العنف بعد الإبلاغ عنه، إلا أن صاحب الحساب يعود إلى فتحه تحت اسم آخر ليغلق مجدداً بعد فترة، حسب التبليغات الصادرة ضده.