يمر الإنسان أحياناً من خلال مشاكل الحياة وضغوط العمل بلحظات عصيبة يشعر خلالها برغبة في الاعتزال والهروب من المحيط الخارجي ولو لفترة قصيرة يسترجع خلالها نفسه ويعود إلى وضعه الطبيعي وممارسة عمله بمعنويات عالية. ويشاء الله في فترة كنت في أمس الحاجة إلى تلك العزلة المشروعة وإن كانت مهمة عمل، إلا أني اعتبرتها فترة نقاء وصفاء مع النفس؛ إذ وجدت نفسي وسط قارة أوروبا في تلك المدينة العذراء التي لم تصل إليها السياحة العربية بكثرة ألا وهي دولة المجر المعروفة بهنجاريا وعاصمتها بودابست. مدينة عظيمة ذات بعد تاريخي عريق، وجو بديع، وشعب كريم الخلق مضياف بملامح مبتسمة ومرحبة ربما لامتزاج العرق الأوروبي بالعرق التركي نتيجة للاستعمار العثماني الطويل الأجل. يُقسم نهر الدانوب المدينة الساحرة إلى قسمين: "بودا" وهو الجزء التاريخي الريفي المرتفع، و"بست" وهو الجزء الحيوي الذي ينبض بالحياة والأسواق والفنادق ومراكز الترفيه. ويرتبط الجزآن بتسعة جسور تعد من أجمل الجسور التي رأتها عيني فكل منها بتصميم مختلف وكأنه تحفه في عالم العمارة المميزة، وتتمايل السفن بأشكالها في نهر الدانوب بين بودا وبست. قد يقول البعض: أين الجديد فدول أوروبا كلها تقريباً بطبيعة واحدة ونظام واحد؛ وهنا أقول لهؤلاء ما يهمني في السفر بالدرجة الأولى لأي دولة أقصدها الأمن وبشاشة الشعب والنظام والنظافة والاحترام، وإن كنت لم أغط دول أوروبا كلها إلا أنني أقول: إنها الأولى بما رأيته. فدولة مثل المجر دخلت في حروب واستعمار مختلف لفترة طويلة تخرج للعالم بقوة والشعب يبتسم والنظام يعم وأكتفي هنا بالتعليق على صورتين لمنظرين شاهدتهما وتركا أثراً عظيماً في نفسي يمكن للقارئ رؤيتهما في تويتر: اللوحة الأولى عندما دخلت غرفتي بأحد فنادق الخمسة نجوم لأرى سجادة الصلاة والمصحف الكريم على السرير، منظر أثلج صدري لعظمته فهل هناك أجمل من احترام الأديان، قال تعالى: ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)). والمنظر الآخر وأنا أمشي في شوارع وسط المدينة برونقها وجمالها وهدوئها ونظافتها لفتت نظري أغطية البلاعات ما أجملها!! كان منظراً جميلاً جداً، إلا أنه أحزنني، لماذا نحن غير ؟ ماذا ينقصنا ؟ أهو المال أم العقول أم الأمانة؟ أيحتاج المسؤولون في البلديات ووزارات التخطيط العمراني وما إلى ذلك من مؤسسات تنفيذية إلى دورات تأهيلية تدريبية متنوعة، وجولات سياحية ليروا ويتعلموا كيف يخططون وينفذون، سبحان الله يطول الكلام في هذا الموضوع وليكن عبر مقالات تالية للتعبير عن فيض من غيض لسنوات عناء طويلة من الفوضى واللامبالاة والفساد الإداري !! وختامها عيد سعيد وكل عام وأنتم بخير.