تتخذ رواية "فاطمة" للكاتبة السعودية رجاء عالم التي كتبت بالإنجليزية، بالاشتراك مع الروائي الأميركي توم ماكدونو وهو مصور سينمائي أميركي، حاز على جائزة أكاديمية لإعداده لفيلم وثائقي بعنوان "أفضل الفتيان"، من مكة مسرحا لأحداثها، دون تحديد إطار زمني لها، وبتقنية "الفلاش باك" في السرد، ما يساعد في خلق أجواء أسطورية للحكاية. تدور الحبكة حول فاطمة، حفيدة شملة التي عاشت حياة طويلة تزيد على مئة وخمسين عاما، في قالب من السحر والأساطير. تخوض البطلة ملحمة تبدأ بزواجها –في سن السادسة عشرة- من ساجر، الزوج القاسي ومربي الأفاعي الذي يتاجر بما يصنعه من أدوية تنتجها أفاعيه. تتعرض فاطمة للدغة من أخطر وأثمن حية يملكها ساجر، لكنها لا تموت جراء إصابتها. بل تبدأ بتقمص جسد حية تنفث رائحة المسك في كل شيء تلمسه وتسيطر على مملكة الأفاعي في بيت زوجها. تنتهي الملحمة بخلاص فاطمة من العزلة التي تعيشها مع ساجر ومن إساءاته الجنسية المتكررة عند انتقالها للعالم اللا مرئي إثر وفاتها لتحصل على قوة خرافية برفقة أفاعيها، أتباعها المخلصين. تستخدم عالم –كما في معظم أعمالها- تقنية ما بعد الحداثة، إذ تمزج واقعية السرد بالأسطورة لإظهار جانب مهم من حياة شخصيات عادية غير لافتة للنظر على أرض الواقع. توظف عالم هذه التقنية في رواية "فاطمة" التي نشرتها جامعة سيراكيوس نيويورك عام 2002، منتقدة الحياة الزوجية للمرأة السعودية التي تدخل مؤسسة الزواج كقدر لا مفر منه، كما يظهر على لسان فاطمة في بداية الرواية: "عشرون عاما من الزواج.. عشرون عاما في السجن". وتستخدم لذلك عدة رموز، من أهمها الحية والعباءة السحرية التي ورثتها فاطمة عن جدتها. تعبِّر الحية عن النظرة الاجتماعية للمرأة كمخلوق خطير يفرض الرجل سيطرته عليه ويخفيه عن الأعين في حين يستخدم كل ما تنتجه لصالحه. أيضا، تظهر العباءة السحرية المتوارثة من الجدة للحفيدة كرمز للموروث الاجتماعي الذي يجبر المرأة على العيش تحت ستر من الصمت والخضوع. كما أن الإشارة إلى عادة الموت المبكر للرجال في عائلة فاطمة مقارنة بالعمر الطويل للنساء كأنهن يتغذين على حياة رجالهن، ما يزيد من عمق النظرة المعتمة لثنائية المرأة/ الأفعى. تبعا لهذا السياق، أجد أنه من المهم النظر إلى هذا العمل الروائي كأنموذج لأدب الجنوسة في المشهد السعودي. تحيك عالم قصة "فاطمة" بمهارة في قماشة سميكة من الرموز والإشارات التاريخية، مثل المسيحية القديمة في نجران وقصة أصحاب الأخدود، ونهر لار الذي تعود تسميته لأحد آلهة الرومان، الملك ذو نواس، والشعر المحلي المرتبط بالتصور الشعبي للجن كمصدر لملكة الشعر. وعن طريق هذا المزج لكل هذه العوالم، أنجزت عالم -الحائزة على جائزة البوكر للرواية العربية 2011 مناصفة مع الروائي المغربي محمد الأشعري عن روايتها "طوق الحمام"- هذه الرواية باللغة الإنجليزية، في تجربة لافتة، وهي التي تخصصت أكاديميا في الأدب الإنجليزي، وعملت لسنوات معلمة وموجهة للغة الإنجليزية.