ربما تكون الحرب نهاية الحلول وتعريفاً مباشراً للوحشية الإنسانية, ومسؤولية تستحق أن يتحملها فاقد الضمير , فكيف تساعدنا الحرية على اختيار المصير دون تنازلات فادحة, وكيف يناضل العالم من أجل حيوان عذبه أو قتله إنسان, وفي الجوار أطفال تُقتل وتحرق ويصلب السلام أمام أعينهم بمباركة المنظمة التي تحافظ على الإنسانية في الحروب المتمثلة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر. الدكتاتورية ليست من قبل المصادفة أو من صنع ظروف مباغتة, بل هي المعنى الشامل للقمع و تجريد الإنسان من ذاته ليقع تحت سيطرة مقصودة ومدروسة لإهانة الضعيف وإخضاع القوي, وفق سياسة ذات نمط مخصوص يظهر للشعوب الإنسانية الولاء و البكاء على الفقراء والمضطهدين, وهو من يخطط لإبادتهم في الخفاء , إن الجزع والخوف انفعالات طبيعية من الحرب والقتل والفتن والشرور , ونشاطات ذاتية تلامس مفهوم الزمن, ولا تساهم في تحرره وانعتاقه, إن ترجيح هذه المؤشرات التي ذكرناها تنطبق على الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والنظام السوري تجاه شعبه, في زمن تغير معنى العدل والإنصاف واختلفت النظرة الموسوعية للسلام وحقوق الإنسان , والتدخل الدولي في العراق وزعزعة الأمن الداخلي وتشريد السلام إلى أنحاء بعيدة . نتج عنه فرق ومليشيات وأحزاب تقتل بعضها بعضا وتنتهك الحقوق بكل آلياتها وأدواتها,وتهالك نسيجها القيمي والقومي , وتضمن أحكاما معيارية مخالفة ورغبات لصوصية تحث على افتعال الجرائم , ولكن في حقل الواقع تحتم بعض القرارات القضاء على عصابات شكلت شغباً واسعاً على المستوى الدولي . لم يعد لدينا جواب نهائي للأسئلة بل لم يعد لدينا أسئلة, لقد افتقدنا الأشكال المألوفة وعلاقة الدهشة بالسؤال , فالإعلام يحمل إلينا الصور كاملة دون حجب أو اختصار _صورا مشوهة تدين الإنسانية_ قمعت جميع الأسئلة والتظاهرة والقناعة , سربت أدلة قوية عن مكونات عقدية يرفضها العقل والمنطق , ولم تراع الاستقرار الوجداني والروحي . إن هذه المكونات أتت على حساب المعتقدات فكانت إسقاطا مغاليا وغير منصف , صنع تفاوت وتحولات فإذا قلنا كما أثبت "روسو" ( إن الإنسان حقق ثلاث تحولات في المجتمعات فانتقل من الطبيعة إلى الثقافة , ومن العاطفة إلى المعرفة , ومن التوحش / الهمجية إلى البشرية ), لقد أراد الإنسان أن يعيش آمنا مستقراً ومفكراً يحافظ على عقله ويرفض هذه الانتكاسة التي أنهكت التطابق والمساواة والعدالة والمواطنة , ولكن التعسف الذي أصاب الجوانب المتنوعة بالخلل داهم أجزاء شاسعة من مساحة الحياة وأغلقت معها الجوانب المضيئة في الأذهان , إلى أن ساد الاعتقاد جميع الأنشطة فتنافرت الصورة والدلالة عليها . صحيح أننا في عصر لم يسبق له مثيل في ظل حوكمة تقنية بارعة , ولكن العقول التي لازالت تقبع على أطراف التاريخ في العالم الثالث لم تؤسس فاعليتها الحديثة , ولم تنصهر مع موضوع التاريخ الحديث وعكفت على تبرير استخدام المفاهيم الماقبلية وهذا منعطف يعرقل الدينامكية التاريخية وحقيقتها وموضوعيتها .