وصفت كريستينا كيرشنر الرئيسة الأرجنتينية ما تتعرض له بلادها بالمؤامرة ذات الطابع الاقتصادي والتي تتخذ شكل مضاربات مصدرها الولايات المتحدة وأوساط أعمال محلية على حد سواء. وعرضت الأرجنتين سداد جزء من ديونها في صندوق خاص في بوينس آيرس، وأعلنت وزارة الاقتصاد في بيان أن المبلغ هو161 مليون دولار مجددة التأكيد على "التزامها الثابت بالوفاء بالتزاماتها تجاه دائنيها"، وقد أقر البرلمان عملية السداد. وبحسب "الفرنسية"، فقد جددت كيرشنر رغبة بلادها في دفع ديونها وأعلنت أنها ستدفع في 31 كانون الأول (ديسمبر) من خلال صندوق في بوينس آيرس مبلغ 100 مليون دولار إلى صناديق مضاربة ترفض إعادة الهيكلة منذ 10 سنوات (7 في المائة من الدائنين). ومنذ الحكم الذي أصدرته محكمة في نيويورك في حزيران (يونيو) وقضى بأن تدفع بوينس آيرس تعويضا غير متكافئ لمجموعة صناديق استثمارية على خلفية الاتفاق المبرم مع 93 في المائة من دائنيها، يطعن المسؤولون الأرجنتينيون في توماس جريزا القاضي "العجوز" في نيويورك ويطالبون بتدخل واشنطن في القضية. وعبثا حاولت الأرجنتين إشراك الولايات المتحدة في هذا الملف عبر تقديمها شكوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، وترى بوينس آيرس أن القاضي الأمريكي يدافع عن مصالح صناديق المضاربات التي تهدد عملية تسديد الأرجنتين لديونها. وتصاعد الخلاف، بعدما أدان القاضى الأمريكي الأرجنتين بتهمة ازدراء المحكمة، وقال توماس جريزا القاضي في المحكمة الجزئية في مانهاتن، الذي ينظر في الدعاوى المتعلقة بالسندات التي تخلفت الأرجنتين عام 2001 عن سدادها، إن خطوة الأرجنتين بمراوغة أوامره السابقة "غير قانونية ولا يمكن تنفيذها". وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ليست طرفا في النزاع بين هذه الصناديق وثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية، إلا أن الأرجنتين تشدد على أنها مسؤولة عن مؤسساتها وبالتالي عن القضاء الذي فاجأ حكمه ضد بوينس آيرس العالم الاقتصادي. وتتهم كيرشنر أيضا معارضي سياستها بأنهم يريدون زعزعة حكمها وقلب الحكومة بمساعدة من الخارج عبر المراهنة على الدولار الذي يرتفع سعر صرفه في السوق السوداء بشكل كبير منذ بضعة أشهر، ويجري تبادل الدولار الواحد مقابل 8.5 بيزو في مكاتب الصرف ويبلغ سعر صرفه قرابة 16 بيزو في السوق غير الرسمية. وعلى خلفية تلك الأوضاع في سوق صرف العملة قبلت الرئيسة الأرجنتينية استقالة خوان كارلوس فابريجا محافظ البنك المركزي، وسيحل محله أليخاندرو فانولي رئيس الهيئة المنظمة للأسواق في البلاد. وأشارت كيرشنر إلى إجراء يسمح بتحويل العملة الوطنية إلى دولارات على أساس معدل صرف قريب من المعدل غير الرسمي، في آلية تعتبرها كيرشنر "غير قانونية" في حين يراها المتعاملون في المصارف أنها "قانونية". وتساءلت الرئيسة الأرجنتينية في خطاب ألقته من القصر الرئاسي كاسا روسادا في بوينس آيرس "إلى أين سيصلون؟ هل سيضعوني في السجن في المرة المقبلة التي أزور فيها نيويورك؟". وجاء في افتتاحية لصحيفة لاناسيون المحافظة بعنوان "خطاب قطيعة يتحول إلى مبدأ"، إن التهجمات على إدارة باراك أوباما تعمقت في الأيام الأخيرة وبلغت ذروتها مساء الثلاثاء الماضي فقد نددت الرئيسة، في خطوة غير مسبوقة، بأن بعض قطاعات الاقتصاد تريد الإطاحة بالحكومة. وأضافت الصحيفة أن الرئيسة شددت على نظريات المؤامرة حتى أنها ألمحت للمرة الأولى إلى أن الشمال قد يخطط أمرا ما ضدها، مشيرة إلى أنها لا تسعى إلى تمييز نفسها عن قادة مثل هوجو تشافيز أو فيدل كاسترو اللذين أمضيا حياتهما في التنديد بخطط التصفية التي تدبرها الإمبريالية الأمريكية. واستدعى هيكتور تيمرمان وزير الخارجية الأرجنتيني الأسبوع الماضي المسؤول في السفارة الأمريكية في بوينس آيرس ليبلغه مأخذ الوزارة عليه بسبب موقفه المؤيد لاتفاق مع صناديق المضاربة في حديث مع الصحافة الأرجنتينية. وهدد خورخي كابيتانيش رئيس الحكومة الأرجنتينية بمعاقبة الفاعلين في الوسط المالي الذين سيعتمدون المضاربة ضد البيزو لإضعافه، في حين تطالب الأوساط الاقتصادية بتخفيض عاجل لقيمة البيزو. وكانت الأرجنتين قد سجلت كسبا رمزيا في نزاعها مع المستثمرين الأمريكيين بعدما أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بداية الأسبوع الحالي قرارا أدان فيه ما أسماه "الصناديق الجشعة". وتبنى مجلس حقوق الإنسان ومقره جنيف قرارا "يدين أنشطة صناديق الاستثمار الجشعة" حيث قال إن إعادة رد الديون المستحقة لهذه الصناديق سيمنع الحكومات من الوفاء بكامل التزاماتها تجاه حقوق الإنسان وبخاصة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحق في التنمية. وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في وقت سابق من الشهر الحالي يدعو إلى وضع إطار عمل قانوني دولي ينظم عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية لحماية الدول المدينة من مضاربات الدائنين التجاريين. وأضافت المحكمة أن الأرجنتين ذكرت في الدعوى أن الولايات المتحدة ارتكبت انتهاكات في حق سيادة الأرجنتين وحصانتها وانتهاكات أخرى نتيجة القرارات القضائية التي تبنتها لجان التحكيم الأمريكية بشأن إعادة هيكلة ديون الأرجنتين العامة.