الهدف الرئيسي لإستراتيجية المملكة العربية السعودية تجاه اليمن كان دوماً واضحاً ومحدداً ولن يتغير وهو (المحافظة على أمن واستقرار اليمن). ولصياغة الإستراتيجيات بأقل الأخطاء الممكنة هناك عدة معايير، ومن أهمها، المصالح المشتركة، الدين والثقافة، التقييم الجيوسياسي ( geopolitic evaluation)، مصالح الدول العظمى والدول الإقليمية في المنطقة. إن استقرار اليمن يمثل مصلحة حيوية عليا للمملكة (vital interest )، وهذا أمر منطقي وطبيعي حيث أن دول الجوار في جميع أنحاء العالم تؤثر وتتأثر ببعضها البعض، نضيف إلى ذلك بأن اليمن دولة عربية وإسلامية، والمملكة تتحمل مسؤولية دينية وأخلاقية تجاه هذه الدولة الجارة. إن الضربات الجوية الأمريكية على أهداف محددة لتنظيم القاعدة، لا يمكن أن تستأصل التنظيم، كما لن تساهم بشكل فاعل في تحقيق الاستقرار، بل هي في حقيقة الأمر مسكن لا يقدم إستراتيجية شاملة لمساعدة اليمن، أو لمحاربة الإرهاب وقد اتضح الهدف من هذه الإستراتيجية، فما هي أفضل الطرق لتحقيقها في ظل الوضع الراهن والتغيرات السياسية والتي تطرقنا لها في مقال الأمس؟ من الناحية الأمنية والعسكرية، تحتاج اليمن إلى استعادة السيطرة على صنعاء وخروج الميليشيات الحوثية وعودتهم إلى محافظاتهم وقراهم، واستعادة الأسلحة والمعدات التي تم الاستيلاء عليها من قبلهم، وتعزيز الأمن الداخلي من خلال دعم المؤسسات اليمنية والتي تحتاج حتماً إلى إعادة هيكلة لكافة الأجهزة اليمنية، ويمتد ذلك إلى الجيش اليمني والذي ثبت ضعفه وتفككه وولاءه للقبائل ولنافذين من خارج المؤسسة الحكومية. الجيش اليمني، وقوات الأمن بحاجة إلى إعادة تدريب، ومن هنا أرى أن تُرسل بعثة تدريب دولية، بمشاركة فاعلة من دول الخليج لتنفيذ خطة تدريب تستمر لمدة خمس سنوات قادمة على أقل تقدير. إن وجود تنظيم القاعدة في جنوب اليمن، وعبث الحوثيون بعاصمته وبأمنه واستقراره، يستوجب جُهداً دولياً مشتركاً، لمساعدة الدولة في بسط سيطرتها واستعادة هيبتها على كافة أراضيها، ويمكن تحقيق ذلك بتواجد قوات عسكرية في صنعاء، كمستشارين للجيش اليمني، ولوزارة الداخلية، ولا يمكن أن يتم ذلك دون طلب رسمي من الرئيس هادي. إن الضربات الجوية الأمريكية على أهداف محددة لتنظيم القاعدة، لا يمكن أن تستأصل التنظيم، كما لن تساهم بشكل فاعل في تحقيق الاستقرار، بل هي في حقيقة الأمر مسكن لا يقدم إستراتيجية شاملة لمساعدة اليمن، أو لمحاربة الإرهاب. من الناحية السياسية والدبلوماسية، أصبح لزاماً دعم الرئيس هادي دعماً مطلقاً، والشروع في اتجاه إقرار الدستور اليمني الجديد (دون تعديل) والذي تم الاتفاق عليه من قبل جميع الأحزاب السياسية اليمنية بعد جولات شاقة من المفاوضات أفضت إلى توقيع اتفاقية مؤتمر الحوار الوطني الشامل في شهر يناير 2014م. وهنا أشير إلى ضرورة كف يد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والذي ما زال له تأثير على كثير من المؤسسات الحكومية وخصوصاً وزارة الداخلية ووزارة الدفاع. على الصعيد الاقتصادي، ندرك تماماً أن اليمن بحاجة ليس فقط إلى دعم مالي أو معونات إنسانية، بل إلى خطة إنقاذ اقتصادية يشارك فيها المجتمع الدولي، وتتبناها دول الخليج العربي، على أن ترتكز هذه الخطة على (تنفيذ مشاريع بنية تحتية ومشاريع تنموية، تتمثل في بناء مستشفيات، ومدارس، وجامعات، وتشييد نقل عام، بإشراف مباشر من قبل الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي) وأشدد هنا، أن على دول الخليج عدم تكرار خطئها بتقديم دعم مالي مباشر. المواطن اليمني بحاجة إلى رؤية هذه المشاريع على أرض الواقع، بحيث تلامس احتياجاته، وتلبي جزءاً من تطلعاته في بناء يمن جديد، وهو ما سينعكس حتماً على أمن واستقرار اليمن، وبالتالي أمن واستقرار دول الخليج. إن تأمين الحدود بين المملكة العربية السعودية واليمن، واجب مشترك من قبل الرياض وصنعاء، والجيد أن الحدود قد تم ترسيمها في اتفاقية جدة الحدودية بشكل نهائي، وعلى ضوء هذه الاتفاقية حرصت المملكة العربية السعودية على بناء جدار أو سياج مكهرب على الحدود اليمنية السعودية، يبلغ ارتفاع الجدار ثلاثة أمتار وهو مزود بأنظمة رصد إلكترونية. تضمنت معاهدة جدة تحديد منطقة الرعي بعشرين كيلو متراً بحيث يحق للرعاة من البلدين استخدام مناطق الرعي ومصادر المياه على جانبي هذا الجزء من خط الحدود استناداً إلى التقاليد والأعراف القبلية السائدة، و تضمنت انه لا يجوز لأي من الطرفين حشد قواته المسلحة على مسافة تقل عن عشرين كيلو متراً على جانبي الحدود، ويقتصر نشاط أي طرف في كل جانب على تسيير دوريات أمن متنقلة بأسلحتها الاعتيادية. إن هذا الإجراء يهدف إلى حماية المملكة من تنامي ظاهرة العنف في اليمن، والحيلولة دون دخول يمنيين إلى السعودية بشكل غير شرعي، ووقف أي نشاط محتمل لتنظيم القاعدة. إن استقرار اليمن الشقيق، وعلاقات حسن الجوار، ستؤديان حتماً إلى رفاهية المواطن اليمني، وقاصمة ظهر للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة. *عقيد أركان حرب متقاعد