محمد اليامي رحلة يقوم بها الإنسان واضعاً كل ذنوبه على محك الغفران والتطهير، حلم بالعودة طفلاً بريئاً من الذنوب، حلم لا يتحقق إلا بتحقق الروحانية والصدق والإخلاص في أداء الفريضة، أن يحج وبين ناظريه وفي فؤاده ربه الأعلى العظيم، الذي أعطاه هذه الفرصة «العمرية» ليقف على أطهر الأصعدة، وبجواره ملايين الناس ببياض واحد، واتجاه إلى رب واحد بأن يلطف بشغفهم للمغفرة، وأن يتقبل منهم عملهم. رحلة من جعلها خالصة للعبادة، وأبعدها عن شوائب الدنيا والسياسة والأهواء حلقت به عالياً في فضاءات روحية لا متناهية من القرب والاقتراب، فبها تمام الأركان الخمسة، ومنها دروس وعبر لتهذيب الجسد، وتطهير الروح، وتنفس أجواء المساواة والعدل التي تتجسد سنوياً منذ قرون في البقعة ذاتها، وبالعمل ذاته للجميع. هي كذلك للضيف، ضيف الرحمن، فكيف هي لنا؟ كيف تشعر وأنت ابن هذه البلاد، يحمل قائدك مسمى يدل على مهمته الأساسية «خدمة الحرمين»، وينظر إليك الناس الذين يأتون من كل فج عميق على أنك صاحب هبة إلهية، إذ جعلك الله مواطناً في البلاد التي تحتضن الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. إنها مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية، والحلم أن تكون على قدر المسؤولية، سواء أكنت حاجاً من الداخل، أم «خادماً» تصطف مع مليكك لخدمة ضيوف الرحمن في أي موقع أنت فيه. إذا حججت كن نظامياً ومضيافاً ومبتسماً ومعاوناً، وإذا سبق لك الحج مرات كثيرة فتركك الفرصة لغيرك فيه من النبل والإيثار الشيء الكثير، بل أحسبه والله أعلم فيه أجر كبير وكثير، إذ خففت على المسلمين، وقاومت هذه الرغبة الجميلة في أداء هذه الشعيرة الأجمل. إذا حججت فكن عنواناً متحركاً ودائماً للمسلم، كن علامة إنسانية فارقة لأنك من هذا الجوار العظيم لأطهر البقاع، كن أنت رجل الأمن، ورجل النظام، ومرشد الضائع، وملفى التائه الحيران، أو الجائع الضائع. إذا كنت موظفاً محظوظاً بندبك لهذه الخدمة، فكن كأنك قائد قوات الحج لو كنت عسكرياً، أو رئيس لجنة الحج لو كنت مدنياً، كن ممثلنا جميعاً أمام الرأي العالمي الإسلامي الذي سيشهد منك في أيام معدودات ما يصنع الفارق في الصورة الذهنية التي يشكلها عن وطننا، وهذا يذهب معه، ويطوف العالم الذي نضع فيه بصماتنا الاقتصادية والسياسية، ونحتاج دوماً إلى وضع بصمات أخرى تقوي هذه العلامة السعودية المسجلة باسمك واسمي، وكل أهلنا ومواطنينا. بعد غد يقف الأحبة والإخوة على الصعيد الطاهر، في يوم حج أكبر يصادف الجمعة، وستكون أفئدتنا جميعاً معهم تدعو لهم بالحج المبرور والسعي المشكور، وتدعو لأمتنا بأن تكون أقوى وأجمل، وأن تنتهي مشكلات بعض الأشقاء، ليعودوا للبناء، بناء الإنسان، ثم بناء الأوطان. الحج هبة إلهية لمن حج، ولمن هو متأمل بعمق في معانيه ودروسه وعميق روحانيته.