هل نقول شكرا لـ«داعش»؟ من المؤكد لا، فهي جماعة مجرمة قبيحة، تهتك كل حرمة، وتثير نزعات الشر والهمجية، ولكن نقول شكرا لما توّلد عن شر «داعش» من تحريك الموتى وإيقاظ النومى، وحشر المنتفعين من وجود «القاعدة» و«داعش»، على أكثر من مستوى، ومن هذه المستويات الترويج للذات – الإخوانية هنا - باعتبارها «البديل المعتدل» وهذا ما حاولت دعاية الإخوان بكل السبل تكريسه طيلة العقود الماضية، وخلاصة هذه الدعاية، للغرب وللداخل: عدم السماح لنا بالحكم، هو الذي يثير تطرف هؤلاء، دعونا نحكم، وسنروّض هؤلاء، فالداء هو في غياب الديمقراطية التي تجلب الإسلاميين «المعتدلين» للحكم. هذه المقولة تحطمت على صخور «داعش» في العراق وسوريا، وجماعات الإرهاب بسيناء وغرب مصر. بل على العكس لم تنشط هذه الجماعات وتزدهر وتجمع المال والسلاح والمعلومات، إلا في ظل حكم «الإخوة». الأمر الآخر في صدمة «داعش» الكبرى هو أنها أيقظت ساكن البيت الأبيض من سباته، رغما عنه، وجعلته يدخل الحرب، رغما عنه، ضد الإسلاميين، كلهم، كما سيتبين لاحقا، أيضا رغما عنه! أوباما أقر أن الولايات المتحدة أساءت تقدير الخطر الذي يمثله تنظيم «داعش» في سوريا، وفي مقابلة مع شبكة (سي بي إس نيوز) قال أوباما إن مقاتلي تنظيم «القاعدة» القدامى الذين طردتهم الولايات المتحدة والقوات المحلية من العراق، تمكنوا من التجمع في سوريا ليشكلوا تنظيم «داعش» الجديد الخطير. ثم قال في لحظة اعتراف وقنوط: «أعتقد أن رئيس أجهزة الاستخبارات جيم كلابر أقر أنهم لم يحسنوا تقدير ما جرى في سوريا». الحق أن المسؤولية لا تقع على كاهل رئيس الاستخبارات الأميركي فقط، فهو موظف لدى إدارة الرئيس أوباما الذي كان يعتمد «منهجا» كاملا يقوم على الهرب من الشرق الأوسط وتسليمه لـ«الإخوان المسلمين»، بحجة الديمقراطية وما شابه. الآن تبين له أنه لا يمكن لك أن تحمي أمن العالم إلا بمواجهة وحش الإرهاب، والنظر في عينيه، وقتله، دون المراوغة والهرب. الأمر كما قال أحد ألمع قادة العالم ونماذج النجاح التنموي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي رئيس وزراء دولة الإمارات نائب رئيس الدولة، في مقالته المهمة المنشورة مؤخرا: «أثبتت (داعش) أن العالم أصبح اليوم أكثر عولمة من أي وقت مضى»، مؤكدا أن «داعش» ليست منظمة إرهابية فقط، بل هي فكرة خبيثة. وأضاف صانع جوهرة دبي: «إحدى حسنات (داعش) وإيجابياتها أنها وحدت العالم، وجمعت الأضداد، وجعلت الجميع يضع خلافاته جانبا ليواجه هذا الخطر المتنامي بهذا الاستعجال الإيجابي». صدق الشيخ محمد بن راشد، وأضيف أن معركة الإصلاح الديني الإسلامي، لم تعد خاصة بالمسلمين، بل هي قضية عالمية، مثل قضية الاحتباس الحراري، تهم سكان الكوكب كلهم، ومسألة الإصلاح الديني الإسلامي تهم كل سكان الأرض أيضا، لاعتبارات كثيرة منها عدد المسلمين من البشر، وتشابك المجتمعات العالمية، بسبب الهجرة والسفر المتواصل، وثورة الاتصالات. m.althaidy@asharqalawsat.com