في ظل انفجار الهويات الفرعية والتشظي الأفقي والعمودي الكبير الذي تشهده دول المنطقة، تتأكد الحاجة إلى هذه اللحظة الزمنية الحساسة والخطيرة في آن؛ لإعلاء شأن الهوية الوطنية الجامعة، التي تحترم كل الخصوصيات التاريخية والثقافية للمواطنين، ولكن من دون الانحباس والانغلاق فيها في ظل التحولات والتطورات الكبرى، التي تجتاح المنطقة العربية وتهدد أمنها واستقرارها، تأتي ذكرى اليوم الوطني للمملكة، مناسبة مركزية تتطلب من جميع السعوديين اغتنامها والتفكير فيها، بوصفها محطة جديدة تعزز مشروع الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتعمل على تجاوز الثغرات الأساسية في الجدار الوطني. وبهذه المناسبة العزيزة علينا جميعاً، نود التشديد على النقاط الآتية: * في ظل انفجار الهويات الفرعية والتشظي الأفقي والعمودي الكبير الذي تشهده دول المنطقة، تتأكد الحاجة إلى هذه اللحظة الزمنية الحساسة والخطيرة في آن؛ لإعلاء شأن الهوية الوطنية الجامعة، التي تحترم كل الخصوصيات التاريخية والثقافية للمواطنين، ولكن من دون الانحباس والانغلاق فيها. ولا يمكننا اليوم كسعوديين مواجهة مخاطر وتحديات المرحلة من دون صياغة هوية وطنية جامعة متعالية على انقسامات المجتمع، وتحتضن بشكل مستديم كل الحساسيات الاجتماعية والخصوصيات الثقافية. من دون ذلك ستزداد الجدر التي تحجز بين المواطنين، ستتعمق الفواصل الشعورية والاجتماعية التي تحول دون اندماج الجميع في بوتقة وطنية جامعة. والأكيد على ضوء ما يجري في المنطقة من أحداث وتطورات، أن بناء الهوية الوطنية الجامعة وصياغتها وتطويرها، لم يعد عملاً ترفياً، بل هو من ضرورات اللحظة ومقتضيات تحصين وطننا ومجتمعنا من المخاطر الكبرى، التي تهدد الأمن واستقرار جميع مجتمعات وشعوب المنطقة.. فليس سراً أن مجتمعنا السعودي يحتضن تنوعات أفقية وعمودية، وإن هذه التنوعات إذا أحسن الجميع التعامل معها، تضحى عناصر قوة ومنعة لهذا المجتمع والوطن. وفي ظل وجود مخططات ومشروعات تعمل على تفجير المجتمعات العربية من الداخل مستفيدة من الهويات والحقائق الفرعية الموجودة في المجتمعات العربية، ثمة ضرورة وطنية للوقوف في وجه هذه المخططات والمشروعات. ولا يمكن الوقوف الصلب في وجه هذه المشروعات التقسيمية من دون إجراءات وممارسات نوعية تعلي من الجامع الوطني، وتعمل على إثراء الهوية الوطنية، بحيث تكون هوية جامعة وحاضنة لجميع الحساسيات الموجودة في المجتمع السعودي. وفي هذا السياق نؤكد أن الهويات الوطنية الصلبة تبنى باحتضان الجميع واستيعابهم من دون أي حساسية تاريخية أو راهنة، سياسية أو اجتماعية. لذلك تعالوا جميعاً أفراداً ومؤسسات رسمية وأهلية، نعلي ونعمل على تعزيز الهوية الوطنية الجامعة التي تحتضن جميع السعوديين، وأن القيمة الفعلية لذكرى اليوم الوطني، تتجسد في قدرتنا جميعاً للإضافة على منجزات الآباء والأجداد وعدم التوقف عن البناء والتطوير الوطني. إن استذكار اليوم الوطني، يقتضي من الجميع العمل للإقلاع في مشروع تحصين الوطن ضد المخاطر المحدقة، عبر مشروع وطني متكامل يستوعب جميع السعوديين ويعمل على رفع كل الحواجز النفسية والعملية التي تحول دون دمج جميع السعوديين في مشروع وطني جامع، ومستوعب لجميع الحساسيات والخصوصيات. والهويات الوطنية الجامعة، ليست ممارسة عاطفية فحسب، بل هي خطوات وحقائق مغروسة في الوجدان والواقع الوطني، تجعل من الانتماء الوطني معياراً للحقوق والواجبات وليس شيئا آخر. ومن واجبنا الوطني كسعوديين في ظل هذه التحولات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، أن نحمي وطننا ونعزز مكاسبه، عبر تطوير نظام الحياة المشتركة للسعوديين.. وهذا لن يتأتى من دون بناء هوية وطنية جامعة وتطويرها، تعلي من شأن الانتماء الوطني من دون الافتئات على دوائر الانتماء الأخرى الطبيعية والتاريخية. * ليس خافياً على أحد، أن المنطقة اليوم تشهد انقساماً طائفياً ومذهبياً حاداً وخطيراً، وأن مقتضى المصلحة الوطنية منع هذا الانقسام من الوصول إلى فضائنا الوطني والاجتماعي. لذلك ثمة ضرورة وطنية اليوم، لحماية وطننا من مخاطر هذا الانقسام.. فتعالوا جميعاً كسعوديين نقرر ألا نكون صدى للانقسام الطائفي الذي تشهده بلدان كثيرة في المنطقة، وهذا لا يتم إلا بزيادة التلاحم الوطني، وبناء حقائق الوحدة بشكل عميق، والقيام بمبادرات وطنية أهلية ورسمية لتعزيز الاندماج الوطني للسعوديين جميعاً. فما يجري في المنطقة خطير، وينذر بكوارث اجتماعية وسياسية، ولا يصح - وطنياً - نقل هذا الصراع والانقسام إلى فضائنا الوطني، وإن منع تأثيرات هذا الانقسام الخطير على بيئتنا الوطنية يتطلب من الجميع المساهمة في تحصين الواقع الوطني عبر حقائق وحدوية قادرة على الصمود تجاه مخاطر الانقسام الطائفي الذي تشهده المنطقة. ومن الضروري في هذا الإطار أن يتذكر الجميع أن الانتماء العائلي والقبلي والمذهبي ليس بديلاً عن الانتماء الوطني. فعزة الجميع بعزة وطنه، ولتتكاتف كل الجهود من أجل منعة الوطن وعزته وحمايته من المخاطر المحدقة به. ولعل من أولى المهام في هذه اللحظة لإنجاز عزة الوطن وحمايته، منع تسرب الانقسام الطائفي إليه. وهذا يتطلب من جميع الأطراف العمل على حماية كل عناصر التنوع فيه؛ لأنه حينما يشعر الجميع بالعزة والاحترام، تتصلب وحدة الوطن وتزداد أسباب قوته ومنعته. فليدافع الجميع عن الجميع في الإطار الوطني؛ لأن في هذا منجاة للجميع، وحماية للجميع، وصيانة للوطن من أقصاه إلى أقصاه، من كل التحديات والمخاطر. * في اليوم الوطني تتأكد الحاجة إلى ضرورة الانتقال من المستوى العاطفي - في التعاطي مع مسائل الوطن - إلى المستوى الفعلي والواقعي في التزام قضايا الوطن ومسائله المختلفة. فلا يصح أن يلهج الإنسان صبح مساء بحب الوطن وهو يمارس السرقة من المال العام، أو يتسيب في وظيفته الحكومية، أو يساهم في عرقلة وتعطيل معاملات بقية المواطنين. فالصادق في حب وطنه هو من يترجم هذا الحب إلى ممارسة مستدامة، تعلي من شأن الوطن والمواطنين.. ويسعى ويكافح من أجل سد بعض الثغرات التي تضعف الوطن في راهنه أو مستقبله. فالذي يحب وطنه يضحي من أجله، والذي يمتلك الاستعداد والقابلية للتضحية في سبيل الوطن، يعمل في كل أوقاته على خدمة المواطنين وحماية منجزاته ومكاسبه، من دون ذلك يبقى إدعاء الحب العاطفي، كغطاء لإخفاء ممارسات مشينة للوطن والمواطنين.. لذلك ثمة ضرورة للخروج من مواقع المخاتلة والمخادعة في التعامل مع قضايا الوطن والمواطنين؛ لأنه من المؤكد أن وطننا يستحق منا كثيراً، وهذا الاستحقاق يتجه إلى الكبير قبل الصغير، والمسئول قبل غيره، ورب العمل قبل عماله، والرئيس قبل المرؤوس.. وهكذا دواليك. من هنا فإن معيار الوطنية اليوم هو الإضافة إلى الوطن، وصيانة وحدته الوطنية، وحماية تعايشه الاجتماعي، ورفده بكل ما يلزم لاستقراره السياسي والاجتماعي..