المال الأسود كان الداعم الأساسي لنشوء وقيام منظمات الإرهاب العالمي، ولا يزال الوسيلة المثلى من الداعمين السريين، أو الدول، حتى أن هذه الحكاية رغم وضعها على أولويات مقاومة الإرهاب، بقيت تجدد أساليب جمعها وعبورها من خلال غسل الأموال والتهريب وفتح حسابات بأسماء وهمية أو بأسماء تجار الحروب، تماماً كما هي عليه تجارة وتصنيع وبيع المخدرات وانتشارها.. أفغانستان في بداية حربها مع السوفييت كانت موارد المجاهدين في تلك الفترة والذين حملوا هذا المسمى تعاطفاً معهم بحيث لم تتوان دول كبرى ومتوسطة وجماعات متعاطفة معهم جمع التبرعات وتسييلها بأسماء لم تكن وهمية، ثم بعد تقلص هذا المد وتغير سياسية طالبان والقاعدة والتحول إلى منظمتين إرهابيتين، لجأتا لزراعة الأفيون والاتجار به بواسطة المنظمات المحترفة لهذه التجارة، وبعوائد هائلة، وكانت إيران ودول آسيوية أخرى من قامت بإغراق الأسواق وغض النظر عنها بواسطة الحكومات، لأن التقاء الأهداف السياسية والعداوة مع بعض الدول وطوائفها ظلاّ الدافع الأساسي في إشعال الحروب بالمال الأسود بهدف تدمير الشعوب.. داعش لم تأت من كوكب آخر، أو تولد من غير رحم دول ومنظمات في المنطقة العربية، لكن المفاجئ بها تسرطنها السريع، لا بالتنظيم الذي جمع الأعداد الهائلة من العراق أو سورية أو جذب الآلاف من قارات العالم، لكن ما غذى الشكوك وأثبتها، كيف تساهلت دولتا الأسد والمالكي احتلال هذه الأجزاء من البلدين، وسقوط الموصل كمدينة ثانية بعد بغداد، واحتلال النفط آباره المنتجة ومصافيه، ونهب أرصدة بنوك مركزية وتجار وفرض أتاوات على ممرات الحدود، ويجري هذا العمل دون أن نسمع طيران (البراميل) المتفجرة يضرب هذه المواقع الاستراتيجية، ولا المالكي كيف انهارت قوته النظامية العسكرية التي كلفت البلايين؟ هذان المصدران لقوة داعش انكشف مستورهما بعد التدخل الدولي ومهاجمة مفاصل هذا التنظيم، الذي استنكرته الحكومة العراقية بداية الهجمات لأنه اختراق لسلطتها وقوانينها، ثم العودة إلى المشاركة بقبول من الحكومة الجديدة.. سورية أرادت استخدام ذكائها بالتفاعل مع الحشد الدولي تبريراً بادعاء أنها تحارب الإرهاب، بينما تتقاسم مداخيل النفط وما تجنيه داعش بالتساوي مقابل اتفاق مبدئي أكد أن الطرفين يحاربان الجيش الحر وبقية القوى المناوئة للنظام.. لا نستغرب موقف الروس، فقد أفلسوا سياسياً في المنطقة من خلال مواقفهم التي لا تصل إلى كسب محيط عربي بسبب تأييد نظام فردي طائفي يحكم سورية، لأنها تريد أي شيء يضعها أمام العالم قوة عظمى ولاعباً أساسياً في توجيه وصياغة الحدث العالمي، غير أن الحشد الأخير بقيادة أمريكا، والضرب العلني لمواقع في الداخل السوري المحسوب عليها كشف أنها لا تملك الوسائل التي تمنع مثل هذا التحالف، والاكتفاء بالمناورة على حدود أوكرانيا فقط.. من خلف اللعبة الدائرة، من وسع دائرة الإرهاب ودعمه، ومن يقاومه وهل القضية استمرار لخلق الفوضى الخلاقة والمدمرة، وأن العرب مثل النمل يجمعون قمحهم بالحبة فتتسلط عليه لأكله الهداهد؟ وهي الحقيقة التي دفعنا ثمنها وخلفنا أجيال أخرى سيبقون ضحاياها إلى أن يوجد المنقذ المستحيل من العدم..