صحيفة المرصد : .. وما من بلدة في الأرض، نسجت تاريخها من أساطير وغرائب الأولين، وحقائق أسفار المتأخرين، المؤكدة بآيات القرآن ومرويات السيرة النبوية، كما شهد تاريخ أم القرى وواديها المقدس عند بيت الله العتيق. لا بد أن يتوقف كل قارئ للحياة الاجتماعية (قديما) في مكة المكرمة أمام تفاصيل حكاية الموت وغواية الحياة، ويتأمل حقائقها المدهشة والمثيرة للاستغراب. كان المكيون يميلون إلى صناعة الحياة، وبث عروق زينة الدنيا ومباهجها من جذور النهايات، وكانوا يطرزون بها أياما معلومات في رزنامة كل شهر قمري، عدا أشهر موسم الحج، حيث يتفرغون في أيامها لخدمة ضيوف الرحمن. كانت قلوب أهل الله وخاصته معلقة بأستار الكعبة والحطيم، وأياديهم تلهج بدعاء التوحيد ومسح الركنين والمقام، وخطوات أقدامهم تراوح سيرها بالتهليل فوق حصوات المطاف وبطاح المسعى تارة، وبالتلبية بين طرقات المشاعر المقدسة تارة، وثالثة أخرى بالذكر والذكرى إلى منازل السابقين في الفضل والولاية أنسا لهم واستئناسا بهم. ومع تعدد الأماكن والمنازل وربطها بالحياة اليومية، يبدو أن المكيين كانوا يجيدون قراءة التاريخ، برواية راو أو كشف عارف، ولهم فهم خاص بأسرار الأحداث ووقائع الأيام وربطها بسلة منافع روحية ومادية، ويخضعون دوما حابل الحياة ونابل الموت في معادلة حياتهم الأزلية، قصص البداية وحكايات النهاية. ومنهم ـ إلى اليوم ـ من يؤمنون حد اليقين أن ثمة سرا ما يتعلق بوجود مرقدي أول وآخر أزواج النبي، السيدة خديجة بنت خويلد والسيدة ميمونة بنت الحارث، في ثرى مكة المكرمة دونا عن بقية أمهات المؤمنين السبع في بقيع الغرقد. ومن هنا تبدأ الحكاية: في طرفها الشرقي، وعند باب المعلاة القديم (محل محطة الكهرباء حاليا) كانت هناك حديقة وارفة الظل والأشجار، تعرف تاريخيا بأنها بستان عبدالله بن الزبير، تسقيها بئر تعرف بـالمنقوس قيل إنها لأبي موسى الأشعري، كانت تستخدم كمتنزه ترويحي للأهالي في أيام نهاية الأسبوع. كان أهل مكة ولا يزالون يصفون أقدم مقابرها (المعلاة) بالجنة! وهو وصف روتيني اعتادوه في أرض اليباس المقدس، فمكة على واد غير ذي زرع، لكنها مدينة الله والجنان والملائكة، وتاريخها معلق دوما بتفاصيل وآيات بينات خصت بها دونا عن مدائن العالمين. فمكان الكعبة المشرفة في أدبياتها المسلم بها، خيمة من خيام الجنة، ومقام إبراهيم والحجر الأسود من يواقيت الجنة، وزمزم نبع ظاهر لا يغور ماؤه حتى قيام الساعة، وهو نهر من أنهار الجنة، وأعلام حرمها تحفها أجنحة 70 ألفا من ملائكة الجنة! بين باب بني شيبة أقدم أبواب المسجد الحرام، وجنة المعلاة 1042 مترا فقط، كانت رواحل الموتى تحمل خفافا على المناكب والأعناق في درب يخترق وهاد ومهاد سوق المدعى (أقدم أسواق مكة) يعرف بدرب الجنائز، تشيعها الدعوات الصالحات، من آخر صلاة أمام الكعبة المشرفة إلى أول منازل الآخرة في شعب جبلي تستقبل كل نواحيه الكعبة مباشرة. وبحسب صحيفة مكة يقول المستشرق الهولندي ك. سنوك هورخرونيه: إن أهل مكة يعيشون من أجل الدين والدنيا معا. ويؤكد في كتابه (صفحات من تاريخ مكة المكرمة) أن المعلاة في أيام الجمع هي متنزه أهل مكة، فهؤلاء لا يحضرون للحزن، بل للبهجة والسرور. ويضف واصفا تلك الأيام: تبقى الاحتفالات حتى منتصف الليل، وهناك ترتيبات أخرى للأطفال، فالطعام والشراب في متناول اليد للأطفال على طول الطريق، وأمام المقبرة هناك الساحر الذي يعرض مواهبه وحيله، وعلى الرغم من أن رجالات مكة يمنعون أولادهم من رؤية ألعاب السحر، إلا أن مثل هذه الألعاب محببة للأطفال. وقدر هورخرونيه أن جملة ما يجمعه مقدمو خدمات الطعام والشراب والترفيه في أيام الجمع من هذا التقليد الأسبوعي بنحو 70 ألف ليرة ذهبية! وكان أستاذ علم الجغرافيا الدكتور معراج نواب مرزا قام إلى جانب زميله الدكتور محمد محمود السرياني بترجمة وتدقيق كتاب المستشرق الهولندي في مجلدين لصالح دارة الملك عبدالعزيز في 1999، ومؤلفه كريستيان هورخرونيه اعتنق الإسلام ودخل مكة في 1885م ومكث بها نحو 6 أشهر ليدون تفاصيل دقيقة عن الحياة الاجتماعية فيها من منظوره ووفق منهجيته في التأليف والرصد لمشاهداته ومعارفه اليومية. والحق، أن هورخرونيه ـ الذي حفظ جزءا مهما من تاريخ مكة بالكلمة والصورة ـ في كتابه القيم أفسح مجالا واسعا لتدوين مرويات شعبية، وثقافة شفهية مكية، برؤية أوروبية محضة، تبرز تعلق الناس بكل أثر ومدر وشجر لها عمق ديني أو ذكر فيما أثر عنها في روايات كتب التاريخ الإسلامي عبر مراحل عصور مكة المختلفة. وهو ما دعا مترجمي الكتاب إلى تدقيق يومياته في شروحات مفصلة، خاصة فيما تتعلق بالعادات السائدة، واحتفالات المراقد والمزارات الدينية، وتنقيح وتصحيح ما شاب نصوص مدونات المؤلف، وعرضها على ميزان الأدلة العلمية والشرعية الصريحة، مع تقريب ترجمتها ما أمكن إلى مراعاة واقع الحال ومنهجية النشر والناشر. ويقول الخبير في المواقع الإسلامية والتاريخية الدكتور سمير أحمد برقة: تقع جنة المعلاة في الشمال الشرقي من مكة في بداية طريق الحجون على يمين السالك إلى الحرم المكي من جهة المعابدة، ولا زالت حتى اليوم أكبر وأهم مقبرة فيها، تستقبل موتاهم ومن يلقى الله من الحجاج والمعتمرين وزوار المسجد الحرام خلال أداء مناسكهم المقدسة، موضحا أنه قد زيد في مساحة المعلاة مرارا، عرضا وطولا، خلال العقود الثلاثة الماضية، وتجد بالغ العناية والاهتمام من أمانة العاصمة المقدسة، بعد أن قيض الله لها من أهل الخير وكرام المحسنين رجالا ونساء أشهرهم الشيخ محمد سفر رحمه الله، والسيدة فوزية بنت إبراهيم الجفالي وغيرهم ممن بذلوا وافر الجهود والأموال في حسن بناء قبورها وتنظيمها ورفع أسوارها. ويشير برقة إلى أن أهل المكانة والمعرفة يحرصون على توصية ورثتهم أن تكون مراقدهم وأول منازلهم في الآخرة في أكناف روضة شعبة النور بالقرب من مرقد أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكبار الصحابة والتابعين. في كتاب شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، ذكر المؤرخ المكي عبدالله الغازي أن مقبرة المعلاة لها فضل لأنها تضم عددا من الصحابة رضي الله عنهم، مستشهدا بحديث عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم المقبرة هذه، مقبرة أهل مكة. وبحديث آخر عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الثنية ثنية المقبرة- وليس بها يومئذ مقبرة، فقال: يبعث الله من هذه البقعة ومن هذا الحرم كله سبعين ألفا، يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا، وجوههم كالقمر ليلة البدر، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله من هم قال صلى الله عليه وسلم الغرباء. ونقل الغازي عن الشيخ خليل المالكي رحمه الله قوله: إن الدعاء يستجاب بمقبرة المعلاة. أما أقدم مؤرخي مكة أبو الوليد الأزرقي فقد قال نقلا عن بعض أهل العلم من أهل مكة، وليس بينهم اختلاف أنه ليس بمكة شعب يستقبل الكعبة كله، ليس فيه انحراف إلا شعب المقبرة، فإنه يستقبل الكعبة ليس فيه انحراف مستقيما، قال أبو الوليد: جاء من الرواية فيه ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم الشعب، ونعم المقبرة. وذكر في كتابه الشهير أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار أن الصحابي الجليل أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، ابتنى سقيفة من حجارة على فم شعب المعلاة، ونزلها حين انصرف من الحكمين (في موقعة صفين سنة 37 هـ) وقال: أجاور قوما لا يعذرون ـ يعني أهل القبور ـ ، وتوفي في مكة. وعلى خلاف مسكوت عنه، حول تحديد عين مكان مرقد أم المؤمنين خديجة بنت خويلد في مكة، فجميع كتب التاريخ والسير تتجنب ذكر مرقدها في شعب المعلاة في الحجون بشكل صريح، وتكتفي عادة بذكر أنها مقبرة تضم قبور المطيبين من أبناء عبد مناف في الجاهلية، ومراقد بني هاشم، وكبار الصحابة والتابعين بعد البعثة النبوية. غير أن عامة أهل مكة، خلفا عن سلف، يؤكدون أن الطاهرة أم القاسم، أول أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأم أولاده ما عدا إبراهيم من السيدة مارية (المصرية)، ترقد منعمة في شعبة النور في أعلى مقبرة المعلاة، ويشهرون مشاعر الحنق والامتعاض في وجه كل من يجرؤ على إنكار هذه المسلمة لديهم كابرا عن كابر. الباحث الكويتي موسى بن راشد العازمي أمضى سنوات في تأليف سفر جديد عن السيرة النبوية عنوانه اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون من إصدار دار الصميعي في الرياض (ط 1 لـ2013م) نقل فيه: ماتت رضي الله عنها قبل أن تفرض الصلاة في الإسراء والمعراج، لكن اختلف في تعيين اليوم والشهر، فقيل: بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام، وقيل: بشهر، وقيل: بشهرين. وأضاف: ودفنت رضي الله عنها في الحجون في مقابر أهل مكة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرتها، ولم تكن صلاة الجنائز شرعت، وكانت مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم معها خمسا وعشرين سنة، فقد توفيت رضي الله عنها ولها من العمر خمس وستون سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك في الخمسين من عمره. في مساء يوم الأربعاء 13 جمادى الآخرة من 1402هـ (1982م) ألقى علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله محاضرة مثيرة بعنوان الآثار الإسلامية في مكة المشرفة في أروقة جامعة أم القرى (نشرت لاحقا في مجلة العرب العدد رمضان وشوال 1402، يونيو ـ يوليو 1982). وتناولت أكثر موضوعين حساسية في مكة وهما موقع المولد النبوي في شعب بني هاشم، ومرقد السيدة خديجة بنت خويلد في جنة المعلاة. ليلتها، كشف الجاسر عن أدلة استقاها بعد بحث معمق خلص منها برأي موثق ينفي دقة مكان مقبرة المعلاة الحالي جملة وتفصيلا، مشددا على أن ثنية الحجون تقع في الجبل المتصل بشعب عامر في الجهة المقابلة من الموقع المعروف حتى اليوم. وأشار الجاسر إلى أن الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط ألف رسالة دعاها (إثارة الحجون، لزيارة الحجون) ذكر الصحابة المدفونين في تلك المقبرة، ونظم هذه الرسالة علي بن أبي بكر الصايغ، أحد علماء مكة في صفر 1287هـ بأرجوزة أسماها (اللؤلؤ المكنون في ذكر أسماء أهل الحجون) وذكر أن عدد الصحابة المدفونين في مقبرة الحجون ثمانية وثلاثون (38) رجلا وسبع (7) نسوة. يومها لم يفق الحضور من صدمة هذا الطرح، حتى عاجلهم علامة الجزيرة بصدمة أخرى أكبر وقعا وأثرا في قلوب ومسامع الحضور عندما قال: وفي عصرنا ـ بل قبله بنحو ستة قرون ـ عرف قبر أم المؤمنين خديجة ـ رضي الله عنها ـ معرفة قائمة على أساس من الجهل، إن صح للجهل أساسا، فشيدت قبة عظيمة تحمل ذلك الاسم الطاهر، ثم أقيم بجوار تلك القبة في أول القرن الحادي عشر قبتان تحمل إحداها اسم (عبدالمطلب) وتعرف الأخرى باسم قبة (أبي طالب). وقال: نص المتقدمون من مؤرخي مكة على عدم معرفة قبر أحد ممن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم سوى قبر ميمونة، لأن الخلف بأثرة عن السلف، وقال ابن ظهيرة في الجامع اللطيف عن مقبرة المعلاة: لما حوته من سادات الصحابة والتابعين، وكبار العلماء والصالحين، وإن لم يعرف قبر أحد من الصحابة تحقيقا الآن. ونبه الشيخ الجاسر إلى أن ارتباط هذه الأسماء الثلاثة بحياة المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أضفى عليها هالة من الإجلال، حتى اعتقد كثير من الجهال صحة وجود قبر خديجة وقبر عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم ـ وقبر أبي طالب ـ عمه، وهو اعتقاد خاطئ. وأضاف بقوله: فقبر أم المؤمنين خديجة ـ رضي الله عنها ـ كان مجهولا لدى مؤرخي مكة حتى القرن الثامن الهجري أي طيلة سبعة قرون بل تزيد، ثم أصبح معروفا محدد المكان، في القرون الخمسة الماضية حتى يومنا هذا. ويؤكد العلامة الجاسر أن تحديد عين مكان قبر السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها جاء عبر رؤيا في المنام. ومضى يقول: بعد أن رأى أحد العارفين ـ في المنام ـ كأن نورا ينبعث من شعبة النور، في مقبرة المعلاة، ولما علم أمير مكة في ذلك العهد بخبر تلك الرؤيا أمر ببناء قبة فوق المكان الذي رأى ذلك العارف أن النور ينبعث منه، جازما ذلك الأمير أن ذلك المكان ما هو سوى قبر خديجة ـ رضي الله عنها ـ مشيرا إلى ما سطره المرجاني في كتابه (بهجة النفوس والأسرار) الذي أورد الخبر باختصار وعقب عليه بقوله: ولا كان ينبغي تعيينه على الأمر المجهول. وأضاف: يدور الزمان فيصبح المكان وما حوله مقبرة للعظماء من أهل مكة فيقبر فيه في القرن الحادي عشر في 1010هـ عبدالمطلب بن حسن بن أبي نمي، ثم في سنة 1012هـ يموت أحد أمراء مكة ـ ممن عرف بالظلم والجبروت ـ وهو أبو طالب بن حسن بن أبي نمي، وتبنى فوقه قبة تعرف بقبة أبي طالب، بجوار قبة خديجة الخرافية وقبة عبدالمطلب. وخلص إلى القول: ويدور الزمان فيجهل أمر صاحبي القبة، فتنشأ خرافة قبة عبدالمطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم الذي مات في زمن الفترة، وقبة أبي طالب بن عبدالمطلب عم النبي عليه الصلاة والسلام، الذي مات مشركا بنص القرآن الكريم. وزاد: ثم يدون التاريخ تلك الخرافات الثلاث باعتبارها حقائق تاريخية، وتتناقلها الأجيال إلى يومنا هذا. أقوال الشيخ حمد الجاسر رحمه الله أثارت لغطا حادا، وجدلا حينها امتد إلى صفحات الجرائد المحلية، كان من بين أبرز من تصدوا لأطروحات المحاضرة، الشيخ محمد حسين زيدان، ووزير الإعلام حينئذ د.محمد عبده يماني رحمهما الله، وتلك قصة أخرى! على خلاف الحال مع إشكالية تحديد عين مكان مرقد أول أمهات المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، لا يختلف الأولون ولا المتأخرون عن صحة مكان مرقد آخر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية في شكل قطعي وثابت. قصة زواج النبي بالسيدة ميمونة ملهمة، تعبق فيها تفاصيل الحب الأنثوي الطاهر للكمال البشري مجسدا في النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم. انتهت بقيام السيدة الهلالية ابنة هند بنت عوف أكرم عجوز في الأرض أصهارا، بأن لحقت النبي في منصرفه من عمرة القضاء في السنة السابعة للهجرة لتلقاه في وادي سرف، وتهب نفسها بقولها البعير وما عليه لله ورسوله فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (الأحزاب: 50)، والقصة معروفة. ويقول الدكتور سمير برقة: يقع مرقد أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها على يسار طريق الهجرة الجديد الذاهب إلى المدينة من مكة، واضحا على جانب الطريق القديم تحت الجبل، وقبل مدينة الجموم، وهو على بعد 16 كم إلى الشمال الغربي من المسجد الحرام، وكانت المنطقة تعرف تاريخيا باسم وادي سرف، وعلى مرمى حجر من مسجد الفتح الشهير الذي أناخ حوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما قدم بجيشه الميمون لفتح مكة. ويضيف: يطلق أهل مكة على هذه المنطقة اسم النوارية، لأنهم كانوا يستخرجون منها الحجارة التي تصنع منها مادة (النورة)، والنوارية الآن أصبحت من أحياء شمال مكة المكرمة بعد أن خططت ووصلها العمران الحديث، مؤكدا أن مرقد السيدة ميمونة بنت الحارث غير معروف لكثير من الناس وهو يتوسط مقبرة صغيرة محاطة بسور مرتفع ومقفلة بباب حديدي يمكن مشاهدة المرقد من بين فجوات قضبانه، والمكان خال من أي لوحة تعرف بالمكان وتاريخ صاحبته أم المؤمنين. وكشف أنه في الثمانينات من القرن الماضي تعرض موقع المقبرة إلى محاولة إزالة عندما صادف مخطط رصف طريق الهجرة القديم على الموقع، غير أن الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله، استجاب لرغبات رجالات مكة وأعيانها ووجه بتعديل مسار الطريق ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة حماية لموقع قبر أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث. وختم برقة بالإشارة إلى أن مجموعة معاد وهو عضو مؤسس فيها، تقدمت بمبادرة إلى عدة جهات رسمية لتطوير سور المقبرة في شكل متناسق مع العمارة الإسلامية بما يحفظ قيمة المكان وتاريخه في الوجدان الإسلامي، ضمن سلسلة مبادراتها لتعزيز الهوية المكية. هورخرونيه، فقد وصف تحت عنوان (مظاهر الحياة في صفر) أنه بعد بداية صفر يقوم المكيون بالتحضير والاستعداد لمناسبة شعبية مهمة، هي احتفالات الثاني عشر من صفر، الخاصة بالسيدة ميمونة ـ رضي الله عنها ـ إحدى أزواج الرسول الكريم. وعزا وفرة هذه الأعياد في مكة ـ حينئذ ـ إلى مناسبات شعبية جاهلية (الصحيح أنها فاطمية) للحفاظ على استمرارها، مؤكدا أن الذكرى السنوية للسيدة ميمونة ليست مناسبة محزنة، فعلى الرغم من أنها تعقد على قبر، فإن أبعد شيء يفكر فيه الحضور هو الموت في هذه المناسبة!ويشير إلى أنهم كانوا يستعدون قبل موعد الاحتفال بذكرى السيدة ميمونة (ستنا ميمونة) بأسبوع، ويعلق بقوله إن الغالبية العظمى من الزوار يكتفون بقراءة الفاتحة، ودعاء قصير، ثم يعودون بعد ذلك إلى خيامهم حيث يلهون ويسلون أنفسهم بطرق عدة. ويضيف أن الشباب من أهل مكة يأتون هنا لأغراض مختلفة تماما، وأنهم بعد تناولهم طعامهم المفضل كالمبشور (لحوم مشوية) والسلات (قطع لحم صغيرة تقلى على الصاج) يتجمعون بالقرب من القبر، حيث يسردون القصص والأحاديث ويغنون الأغاني العاطفية، ويصطحب كل ذلك بالموسيقى! سمير برقة حمد الجاسر مرقد السيدة خديجة في جنة المعلاة كما يبدو الآن مرقد السيدة ميمونة بنت الحارث كما يبدو حالياً