أطلت علينا قبل بضعة أيام، أيام العشر المباركة أفضل أيام السنة وبها أفضل يوم أشرقت عليه الشمس، نسأل الله أن يكتب الخير كله للمسلمين أجمعين. في كل يوم تعلمنا هذه الحياة درسا جديد، فالسعيد من يتعظ ويتعلم منها أما من فاتته هذه الدروس فالدنيا ستعلمه ولكن رغما عن أنفه وبغير اختياره، من هذه الدروس درس مهم يغفل عنه كثير من الناس، وهو عدم الاكتراث بكثير من نعم الله علينا بل بالعكس الشكوى دائما مما نفقد ونحتاج وليس ما نملك مع أن المقارنة ظالمة بينهما فما نملك ولله الحمد أضعاف كثيرة لما نحتاج ونفقد. كثيرا ما نشاهد عمال النظافة البسطاء، بعضهم يتعمد الوقوف وتنظيف الأرصفة عند إشارات المرور وغالبا ما يكسب تعاطف الواقفين الذين يعطونه بعض الريالات. أمس شاهدت عامل نظافة في منتصف النهار ما يقارب الواحدة ظهرا، شعر وجهه يملؤه الشيب تجاوز الخمسين من عمره يعمل ويكدح، علما أن الرقابة عليه ضعيفة وبإمكانه الاهمال والتكاسل إلا أنه يعمل بكل جهد وكأن مراقبا يقف على رأسه ويتابعه، اقترب منه أحد المارّة واعطاه بضعة ريالات فابتسم ابتسامة جميلة وقال "الحمد لله" "شكرا لله" اقتربت منه وقلت "أنت مبسوط"؟ قال نعم "يجي رزق من الله" "الحمد لله صحه وعافية ورزق" وتعابير وجهه يملؤها التفاؤل وحسن الظن بأن ما يعيشه جميل وأن القادم أجمل. هذا الدرس يعلم كل إنسان يشتكي يوميا من أشياء تافهة وهم كثيرون، فهناك من يشتكي من الحر وهناك من يشتكي من عدم وجود ملابس في الأسواق تناسب ذوقه الرفيع، وهناك من يشتكي بأنه لم يسافر هذا السنة، وآخر يشتكي من أنه كل عام يسافر إلى نفس المكان ولم يغير، وهناك من يمل من سيارته التي مر عليها سنتان وأصبحت قديمة. أجزم أن عامل النظافة هذا لا يملك الا ما في جيبه وقوتا ليومه وغده وحاجيات يمكن جمعها في حقيبة سفر صغيرة هي كل ما يملك، بل إن قيمة وجبة نتناولها في أحد المطاعم الراقية قد تساوي أكثر من نصف دخله الشهري، ومع ذلك والله أجزم أنه أشد سعادة وتفاؤلا ورضا بما قسم الله من كثيرين يملكون عشرات أضعاف ما يملك. للأسف كثيرون يفكرون فقط وفقط بما ينقص ولا يفكرون بما هو موجود، فالنفس طماعة لا تشبعها حتى كنوز الدنيا كلها، كم من فقد عافيته يتمنى زوال ملايينه مقابل استردادها، وكم من مكتئب لم تفرحه أرصدته المملينة، وكم ممن يجد قوت شهره يرضى بما قسم الله ويستمتع بأقصى حد بما يملك تفوق متعته من هم أغنى منه بكثير. الحياة عبر ودروس لا تنتهي وهي نعمة من الله سبحانه علينا من اجل تذكير الغافلين عنها، فالحمد والشكر مطلوب على كل حال ولا يعلم الخيرة من الأمر إلا الله سبحانه وتعالى بحكمته وعلمه، جعلني الله وإياكم من الراضين الشاكرين قولا وعملا. ماجستير إدارة اعمال -جامعة الملك فهد للبترول والمعادن