×
محافظة المنطقة الشرقية

إستياء أميركي من شغور وزارة الدفاع العراقية

صورة الخبر

هذه القصة التي تناولها بعض وسائل الإعلام خلال الفترة الماضية أهديها للباحثين وأهل العلم والبحث العلمي في جامعاتنا السعودية والعربية وأثق في أن معظمهم لم يسمع أو يقرأ هذه القصة وإن سمعها أو قراها في الغالب لم تحرك لديه شيئاً ما ومر عليها مرور عابر السبيل. (هاروكو أوبوكاتا) باحثة واعدة تبلغ من العمر ثلاثين عاما تعمل كباحثة في مؤسسة (ريكن) وهي من أعظم المعاهد البحثية في العالم أجمع حصل منها عالمان على جائزة نوبل. أوبوكاتا هي الباحثة الرئيسة التي تولت قيادة فريق بحثي قام بإعداد بحثين علميين في مجال الخلايا الجذعية، وتم عرض طرق علمية في البحثين تؤدي إلى إعادة برمجة خلايا حيوانية ناضجة ما يجعلها قادرة على انتاج أنواع كثيرة من الانسجة بكثافة. ويكفي الاشارة إلى أن نتائج البحثين كانت شديدة الأهمية كونها تفتح المجال لاستبدال الخلايا التالفة وبناء أعضاء جديدة لدى البشر. قامت مجلة (نيتشر) العلمية المشهورة - وهي أهم المجلات العلمية المحكمة على مستوى العالم - بنشر البحثين وهنا بدأت المأساة. نتائج البحث لافتة للانتباه للعامة، لكنها بالنسبة للعلماء والمتخصصون تظل خاضعة للفحص والمراجعة والتأكد من سلامة المنهج العلمي وخطوات اجراء التجارب. ولسوء حظ أوبوكاتا وفريقها البحثي ومعهد ريكن العظيم فقد قام فريق آخر من هونج كونج - بقيادة عالم فذ - بفحص تجارب أوبوكاتا وفريقها البحثي، حيث أعادوا نفس التجارب التي أجراها فريق أوبوكاتا على الفئران والكارثة أن النتائج اختلفت في هذه التجارب عن نتائج التجارب التي أجراها فريق أوبوكاتا. ولأنهم في اليابان يقدسون العلم ويعشقون الاتقان ويرفضون الكذب والخداع فلم يحاولوا - مثلاً - التعتيم على الأمر أو شراء ذمم من اكتشفوا الخطأ أو الخداع. فقد تم اجراء تحقيق واسع في الأمر، والذي أجرى التحقيق مركز ريكن نفسه بكل شفافية ووضوح، وقد تبين ارتكاب أوبوكاتا أخطاء جسيمة وربما تكون متعمدة منها استخدام صور من تجارب أخرى أجرتها أوبوكاتا في أطروحتها للدكتوراة. إلى هنا يكون مستقبل أوبوكاتا في خطر محدق وستذهب أحلامها أدراج الرياح وهي التي تتطلع يوما ما الى الحصول على جائزة نوبل وباحثة رئيسة في معهد ريكن. وفي مثل سنها من حقها أن تحلم بنوبل، ومن حق أوبوكاتا ان تدافع عن نفسها وقد أتيح لها ذلك وفي مؤتمر صحفي عالمي منشور على اليوتيوب بدت فيه فارة صغيرة مرتعشة يجرون عليها تجربة قد تنتهي بموتها، وفي كل الأحوال سحبت أوبوكاتا بحثيها من مجلة نيتشر. المأساة لم تنته بعد، حيث كان هناك عالم ومشرف من معهد ريكي يتابع عمل أوبوكاتا وفريقها اسمه (ساساي) عندما افتضح الأمر تعرض لضغوط رهيبة من المعهد الذي يعمل به ومن وسائل الإعلام وتعرض كبرياء الباحث لديه لضربة قاتلة. فهو يتحمل - ولا شك - مسؤولية في حدوث المأساة، عثروا على جثة ساساس مشنوقاً في منزله وأثبتت التحريات انتحاره!! هكذا يتعاملون مع العلم هناك، وهكذا يرفضون الغش والخداع، وهكذا يشعرون بجرم أخطائهم العلمية ويعاقبون عليها أنفسهم بالانتحار. يحدث هذا في اليابان، لذا هم متقدمون وهم مستمرون في إبهار العالم بابداعاتهم ومخترعاتهم. نعود إلى أرضنا العربية ونعود إلى واقع البحث العلمي في بلادنا ونقارن بين ما حدث ويحدث في اليابان وما يحدث عندنا. كم عدد البحوث العلمية التي يكتنفها أخطاء أو تجاوزات متعمدة أو غير متعمدة ولم يتم اكتشافها وتمت التغطية عليها ودفنها في بئر بلا قرار؟ كم باحث تعمد أن يغش أو يخدع في بحث علمي بغية الحصول على درجة علمية أو ترقية أو منصب؟ كم مؤسسة علمية اعترفت بأخطائها وسعت لتصحيحها؟ كم بحث تم سحبه من مجلة علمية بسبب قصور أو أخطاء في الأساليب والنتائج؟ كم مرة تناولت وسائل إعلام مناقشة قضايا تتعلق بمصداقية بحوث أو تجارب علمية؟ كم مرة تم اجراء مؤتمر صحفي يشبه تحقيق يجريه رأي عام مع متجاوز أو متهم بالتجاوز في مجال علمي ما؟ كم وكم وكم ... لعلنا ندرك الآن لماذا هم متقدمون ولماذا نحن متخلفون..! أستاذ إدارة الأعمال والتسويق - جامعة الدمام