تشكل الهوية الوطنية، التي تمثل العمود الفقري في خندق أي تحصين وتحديث لأي مجتمع من المجتمعات، من أكثر القضايا الثقافية الشائكة في عديد من الدول، لاسيما تلك التي تتغاير فيها الأديان، وتتنوع فيها الأعراق، وتتعدد فيها اللغات، وتختلف فيها كثير من تفاصيل عاداتها وأعرافها الاجتماعية والدينية، وتبعا لذلك تختلف طبيعة محددات هويتها، من حيث جوهر بعدها الثقافي ونسقها المعرفي. الأمر الذي يجعل من صياغة تعريف جامع لهويتهم الوطنية من أكثر الأشياء صعوبة، ويجعل إحداث حالة من التمازج بين مختلف مكوناتهم المجتمعية من أشد القضايا تعقيدًا. على أن الأمر مختلف جدًا ضمن محيطنا الوطني السعودي، فلا تعدد في الأعراق، إذ ينتمي كل أبناء المملكة لأرومة عربية واحدة، ولا تغاير أو تباين في اللغات واللهجات، حيث يتحدث الجميع بلسان عربي مبين، ناهيك عن إيمان كل المجتمع بكافة تقسيماته بالدين الإسلامي مبدأ وعقيدة. وبالتالي فإن محددات وأبعاد الهوية الوطنية من حيث نسقها الاجتماعي والثقافي تكاد تكون واحدة عند جميع سكان المملكة، من الماء شرقًا إلى الماء غربًا، ومن السهل شمالًا إلى الجبل جنوبًا، الأمر الذي سهل من عملية الاندماج الوطني القائم منذ إنشاء المملكة العربية السعودية على يد القائد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-. انطلاقًا من ذلك فلا غرابة أن نرى هذا التواشج والتمازج القائم اليوم بين مختلف مكونات الوطن وأبنائه، لكونهم ينطلقون من ثقافة واحدة، وإن اختلفت مناطقهم، ويتكئون على تراث واحد، وإن اختلفت عاداتهم وبعض تقاليدهم. وهو ما يجب تعزيزه ضمن إطارات الخطاب الثقافي بوجه عام، لزيادة توثيق صلاته بين مختلف الأجيال الصاعدة. وفي هذا الإطار، أجدني مشيدًا بجانب كبير من خطابنا الثقافي الوطني غير المؤدلج، الذي كان له دوره في تعزيز ملامح اللحمة الوطنية، وساهم في توثيق عرى المحبة للوطن بين مختلف الأجيال، ولا أظن أن أحدا يمكنه أن ينسى تلك الترانيم الوطنية التي شدا بها الصغار قبل الكبار، رافعين حناجرهم، مرددين رائعة الدكتور غازي القصيبي -يرحمه الله-: أجل نحن الحجاز ونحن نجد. كما لا أتصور أن أجيالنا المتتابعة قد غاب عنها صوت المبدع محمد عبده وهو يرفع عقيرته مجلجلا بقوله: فوق هام السحب. ناهيك عن تأثير عديد من المهرجانات الثقافية، التي يأتي على رأسها مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة، وما ارتبط في ذاكرتنا من أوبريتاته الوطنية الخلابة، إلى غير ذلك من القصائد والكتابات، التي كان لها أكبر الأثر في تعزيز قيمة الهوية الوطنية، وساهمت في توثيق عرى الترابط الوطني، تحت ظل قيادة سياسية واحدة، متفق عليها إجماعًا شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا. zash113@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (51) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain