استفاقت صنعاء أمس على واقع سياسي وأمني جديد، غداة سقوطها الدراماتيكي في قبضة الحوثيين. وخلت شوارع المدينة من أي حضور لسلطات الدولة اليمنية، في ظل انتشار كثيف لمسلحي الجماعة الذين شرعوا في جمع غنائمهم من الأسلحة الثقيلة والخفيفة وإرسالها إلى معاقلهم شمال العاصمة، على رغم توقيعهم اتفاق «السلم والشراكة» مع الأطراف الأخرى السياسية برعاية الأمم المتحدة. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن مصادر طبية في صنعاء أن حصيلة أسبوع من المعارك الضارية مع الحوثيين بلغت 340 قتيلاً. وفيما أعلنت السلطات الحكومية أمس انتشال أكثر من 200 جثة خلّفها القتال في الأيام القليلة الماضية، غطت شعارات الجماعة وراياتها واجهات المباني الحكومية والجدران، ونشر مسلحوها مئات من النقاط الأمنية في شوارع صنعاء وفي جنوبها، كما اتجهوا إلى جنوبها وسيطروا على منزل خصمهم اللدود اللواء علي محسن الأحمر، ومنزل القيادي في حزب «الإصلاح» الشيخ حميد الأحمر. وفي ظل هدوء طاغ في العاصمة اليمنية وحركة خجولة للسكان، شوهدت عشرات الدوريات التابعة لجماعة الحوثيين وهي تجوب المدينة وتنتشر في محيط المؤسسات الحكومية والوزارات وداخل المطار، كما شوهد أنصار الجماعة يجمعون الدبابات والمدافع والعربات المدرعة والأسلحة الخفيفة من موقع ما كان يعرف بـ «الفرقة الأولى المدرعة»، ومواقع اللواء الرابع والحماية الرئاسية والقيادة العامة للقوات المسلحة. ولم يتبدد الغموض حول الوجهة التي فر إليها اللواء علي محسن الأحمر عقب خسارته المعركة، في حين دعت الجماعة مؤيديها أمس إلى الاحتفال بالانتصار بإطلاق الألعاب النارية مساء، كما بشر الناطق الرسمي باسمها محمد عبد السلام بخطاب جديد لزعيمها عبدالملك الحوثي مساء اليوم، يواكبه احتفال شعبي. الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عقد أمس اجتماعاً للحكومة التي كان رئيسها محمد سالم باسندوة أعلن استقالته الأحد، لكن رئاسة الجمهورية لم تعترف بها، وقال هادي: «تم تلافي مزيد من التداعيات بالتوقيع على الوثيقة الوطنية (مع الحوثيين)، التي تمثل مخرجاً وطنياً مشرفاً وملائماً من أجل تجنيب اليمن مزيداً من التدهور والأزمات». وحض أعضاء الحكومة التي ستتولى تصريف الأعمال حتى تشكيل حكومة جديدة في غضون شهر، على «الاستعداد الكامل واليقظة من أجل الحفاظ على ممتلكات الدولة في الوزارات والمعسكرات والمؤسسات» والهيئات الحكومية. واستقبل هادي سفراء الدول العشر الراعية للعملية الانتقالية، منبّهاً إلى أن» الأوضاع خطيرة»، وزاد: «تم تحاشي المواجهة والحرب لئلا تضطرم نيرانها وتتوسع وتصبح حرباً أهلية شاملة». وكان الرئيس اليمني يعرض مضمون الوثيقة التي وقعتها الأطراف السياسية والحوثيون ليل الأحد بعد مفاوضات ماراثونية أشرف عليها مستشار الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه إلى اليمن جمال بنعمر. وتقضي وثيقة الاتفاق بوقف فوري لإطلاق النار وتشكيل حكومة كفاءات في غضون شهر، وتعيين مستشارين لهادي من جماعة الحوثيين و «الحراك الجنوبي»، يتشاور معهم في شأن أعضاء الحكومة المقبلة، على أن يترك للرئيس اليمني اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمال. كما نص الاتفاق على خفض إضافي لأسعار الوقود، وتنفيذ الحكومة المقبلة إصلاحات اقتصادية، وإعادة النظر في تشكيل الهيئة الوطنية للإشراف على مخرجات الحوار الوطني. لكن جماعة الحوثيين تحفظت عن بنود الملحق الأمني للاتفاق الذي سمي «اتفاق السلم والشراكة الوطنية»، ما ألقى الكثير من الشكوك حول جدية الجماعة في التزام بنوده. ويتضمن الملحق الأمني خطوات إجرائية تكفل انسحاب الجماعة من مناطق عمران شمال صنعاء، وتطبيع الأوضاع فيها، ووضع آلية بمشاركة الأمم المتحدة وكل الأطراف لنزع الأسلحة الثقيلة من الأفراد والجماعات، بما فيها جماعة الحوثيين. وكان أمين العاصمة عبدالقادر هلال وهو من الشخصيات المقبولة لدى الحوثيين وأحد المفاوضين المتمرسين، أعلن استقالته أول من أمس احتجاجاً على ممارسات مسلحي الجماعة، مؤكداً عدم قدرته على تأمين الحماية لسكان صنعاء. وجاء توقيع وثيقة الاتفاق مع الحوثيين ليل الأحد بعد تسارع الأحداث والمواجهات في المدينة في شكل دراماتيكي أول من أمس، إثر أربعة أيام من الاشتباكات العنيفة بين قوات للجيش يقودها اللواء علي محسن الأحمر، مدعومة بمسلحين من حزب «الإصلاح» وبين مسلحي الجماعة الذين اجتاحوا الأحياء الشمالية الغربية والشمالية في العاصمة وسيطروا على مقر التلفزيون والمطار ومقر»الفرقة الأولى المدرعة» (سابقاً) والقيادة العامة للقوات المسلحة والبنك المركزي. وفي جدة أعرب مجلس الوزراء السعودي عن أسفه لما شهده اليمن من أحداث الأحد، مؤكداً أن هذه الأحداث خطرة وتهدد أمنه واستقراره. ورحّب المجلس باتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقّعته الأطراف السياسية في صنعاء، منوهاً بما عبّر عنه البيان الصادر عن المجلس الوزاري لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماعه بنيويورك، وما أكد عليه من وقوف مع اليمن ودعمه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، لجهوده في الحفاظ على الشرعية وحقن الدماء. وكانت دول المجلس أعربت عن أسفها «العميق وقلقها البالغ من الأحداث الأخيرة في اليمن»، كما رحبت «بالاتفاق الذي تم التوصل إليه»، متمنية أن يؤدي إلى وقف العنف وتعزيز أمن اليمن واستقراره، وأعربت عن أملها بأن يتجاوز اليمن هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه. يُشار الى أن النائب الايراني علي رضا زاكاني قال في ندوة في مدينة مشهد الايرانية قبل أيام ان محللا سياسيا اشار الى «ان الثورة الاسلامية تسيطر حاليا علی ثلاثة عواصم عربية وفي القريب العاجل ستسيطر علی صنعاء ليتم تنفيذ نظام وحدة المسلمين».