يتسبب تعاطي المخدرات في سوء المعاملة بين أفراد الأسرة الواحدة، فيسود التوتر والشقاق بينهم، كما يمتد خارج نطاقها ليطال الجيران والأصدقاء، فتتفشى الجرائم الأخلاقية والعادات السلبية، حيث لا يأبه مدمن المخدرات بالانحراف إلى بؤر الرذيلة، ناهيك عن أنه لا يضر بشخصه فقط، بقدر ما يسببه من آلام تتجرعها الزوجة والأبناء، خاصة إذا استخدم الآباء منازلهم لاستضافة أصدقائهم في جلسات جماعية لتعاطي الحشيش والكبتاجون. «عكاظ» التقت عددا من الزوجات اللاتي تحدثن عن حياتهن الزوجية مع أزواج يتعاطون الحشيش والكبتاجون، في البداية تقول أم عبدالله: «تزوجت بعد طلاقي من زوجي الأول برجل اكتشفت بعد الزواج أنه يتعاطى الحشيش بكثرة، وقام زوجي بإقناعي بأن الحشيش نوع من أنواع المهدئات لا إدمان عليه وأنه يعمل على تهدئته ويجعل فكره صافيا كي يعمل بجد ونشاط، وصدقته فيما قاله لي، رغم أنه شدد على ألا أخبر أحدا من أسرتي بأنه يتعاطى الحشيش، وكنت في كل يوم يمر أكتشف أنه إنسان غير سوي بتصرفاته، فهو لا يستمر في وظيفة واحدة ولديه العديد من العلاقات النسائية المحرمة، ثم اكتشفت أنه رجل بارع في الكذب والتمثيل، حاولت مرارا أن أتفاهم معه حول ما يفعله، ومدى حرمانيته، وعدم جوازه، فما كان منه إلا أن ضربني ضربا مبرحا، وطلب مني ألا أتدخل في شؤونه الخاصة، بل وأكد علي أن أدعه وشأنه، وأصبح يدخن الحشيش طوال اليوم، فهددته بالإبلاغ عنه فسخر مني، وعندما تحدثت إلى إحدى صديقاتي المقربات عن وضعي اكتشفت أن حالها لا يختلف عن حالي، فزوجها يتعاطى الحشيش والكبتاجون، غير أنها استطاعت علاجه والآن عاد زوجها إلى رشده وإلى صلاته واستقامته، في الوقت الذي حاولت أن أفعل ذلك مع زوجي إلا أنني فشلت، خاصة أنه لا يصلي، كما أن أهله يساعدونه على ما يقوم به من أفعال محرمة وعلاقات غير سوية وتعاطي المخدرات وشرب المسكر، ما دعاني إلى طلب الطلاق منه، فقام على الفور بتطليقي والعودة إلى حياته». وتقول أم يوسف الخمسينية: «يتعاطى زوجي الحشيش منذ تزوجته منذ أكثر من 25 عاما، وقمت بإنجاب سبعة أطفال منه ولو أني غير موظفة لعانى أبنائي من الفقر والحاجة، لأن والدهم كان يصرف كل ما لديه على الحشيش والمسكر، وإذا لم يجد الحشيش كان يوسعني ضربا وشتما وكان يطلق العنان للسانه فيقرعني بأقذر الألفاظ، كما كانت لديه تصرفات غريبة، وكأنه بعدة شخصيات، صبرت وتحملت ودعوت الله أن يهديه ولكنه استمر في بطشه وجنونه إلى أن أصيب بمرض منعه من الحركة، وأصبح الآن على كرسي عجل، ما اضطره لترك أفعاله المشينة، كما كف عن تعاطي الحشيش والمسكرات بعد أن خسر صحته وحياته بسببها». وتشاركها الرأي أشجان التي تزوجت ثلاث مرات، وفي كل مرة تكتشف أن زوجها يدخن الحشيش، وتقول أشجان: «لا أعلم لماذا يأخذني حظي العاثر للزواج من أزواج يتعاطون الحشيش لدرجة الإدمان، وكل واحد منهم لديه نفس التصرفات والانفصام في الشخصية، ما اضطرني إلى أن أصبر على زوجي الأخير حتى لا أشتت أبنائي الذين يرون والدهم وهو يوسعني ضربا وشتما ويقوم بتعذيبي أمامهم وحتى لا أتطلق للمرة الثالثة لعل ربي يهدي زوجي». من جهتها تؤكد وكيلة عمادة الدراسات الجامعية ونائبة قسم علم النفس بجامعة طيبة عن المردود النفسي الذي يحيط بكامل أفراد الأسرة في حال كان أحد أفراداها من متعاطي المخدرات، حيث تعد الأسرة هي الخلية الرئيسية، فإذا صلحت صلح حال المجتمع، فالأسرة أهم عامل يؤثر في التكوين النفسي للفرد، لأنها البيئة التي يحل بها وتحضنه فور رؤية نور الحياة، وبالتالي فإن وجود أي خلل في النظام الأسري من شأنه أن يحول دون قيامها بواجبها التعليمي والتربوي لأبنائها، فتعاطي المخدرات -على سبيل المثال- يصيب الأسرة والحياة الأسرية بأضرار بالغة من وجوه كثيرة أهمها ولادة الأم المدمنة على المخدرات لأطفال مشوهين، ومع زيادة الإنفاق على تعاطي المخدرات يقل دخل الأسرة الفعلي، مما يؤثر على نواحي الإنفاق الأخرى ويتدنى المستوى والغذائي والاجتماعي والتعليمي وبالتالي الأخلاقي لدى أفراد تلك الأسرة التي وجه عائلها دخله إلى الإنفاق على المخدرات، وبالتالي فإن هذه المظاهر تؤدي إلى انحراف الأفراد لسببين، أولهما أغراض القدوة الممثلة في الأب أو الأم أو العائل، السبب الآخر هو الحاجة التي تدفع الأطفال إلى أدنى الأعمال لتوفير الاحتياجات المتزايدة في غياب العائل إلى جانب الآثار الاقتصادية والصحية لتعاطي المخدرات على الأسرة نجد أن جو الأسرة العام يسوده التوتر والشقاق والخلافات بين أفرادها، فإلى جانب إنفاق المتعاطي لجزء كبير من الدخل على المخدرات والذي يثير انفعالات وضيقا لدى أفراد الأسرة فالمتعاطي يقوم بعادات غير مقبولة لدى الأسرة، حيث يتجمع عدد من المتعاطين في بيته ويسهرون آخر الليل، مما يولد لدى أفراد الأسرة تشوقا لتعاطي المخدرات تقليدا للشخص المتعاطي أو يولد لديهم الخوف والقلق خشية أن يهاجم المنزل بضبط المخدرات والمتعاطين أو بأذى المتعاطين أنفسهم لأنهم يفقدون أخلاقهم ويفقدون السيطرة حتى على أنفسهم، أما أضرار المخدرات فهناك أضرار اجتماعية وأخلاقية، منها انهيار الأسر وضياعها، فالمخدرات تسلب متعاطيها القيمة الإنسانية الرفيعة وتهبط به إلى وديان البهيمية حيث تؤدي بالإنسان إلى تحقير النفس فيصبح دنيئا مهانا لا يغار على محارمه ولا على عرضه وتفسد مزاجه ويسوء خلقه. ومن أهم الأضرار الاقتصادية التي تسببها المخدرات استنزاف الأموال وتؤدي إلى ضياع موارد الأسرة بما يهدد بالفقر والإفلاس، كما أن المخدرات تضر بمصالح الفرد ووطنه لأنها تؤدي إلى الكسل والخمول وقلة الإنتاج. ويرى مختصون أن الاتجار بالمخدرات طريق للكسب غير المشروع لا يسعى إليه إلا من فقد إنسانيته كما أن كثرة المدمنين تزيد من أعباء الدولة لرعايتها لهم في المستشفيات والمصحات وحراستهم في السجون ومطاردة المهربين ومحاكمتهم. ومن جهته أوضح لـ«عكاظ» الناطق الإعلامي بشرطة المدينة المنورة العقيد فهد الغنام أن أي بلاغ عن متعاطي المخدرات يرد إلى الشرطة يؤخذ في عين الاعتبار للتأكد من صحة البلاغ، كما أن إدارة مكافحة المخدرات خصصت رقما موحدا لتلقي بلاغات المدمنين والمروجين وهو (995)، أما في حال وجدت إشكالية جنائية بسبب المخدرات فإن الشرطة تقوم بإحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام للتحقيق بها. وأوضح الغنام أن حالات المخدرات التي ترد إلى الشرطة تحال إلى إدارة مكافحة المخدرات لتتولى متابعة القضية وحالات المسكرات وإحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام عن طريق الشرطة، أما بلاغ المتعاطي الذي يحاول التعافي والإقلاع عن المخدرات فإنها تؤخذ بجدية وتحال الحالة إذا لم تكن جنائية إلى المستشفيات الخاصة بعلاج الإدمان لتعالج بسرية تامة، فالدولة لا تتوانى عن مساعدة المدمنين الذين ابتلوا بالإدمان وذلك بتقديم ومد يد العون والمساعدة في علاجهم وإعادة تأهيلهم وإصلاحهم دون معاقبتهم على ما ارتكبوه في حق أنفسهم، أما حالات الإدمان الجنائية مثل المروجين أو مرتكبي الجرائم فهؤلاء لابد من معاقبتهم وعلاجهم بنفس الوقت.