تلتهم الكاتب الأحداث الاجتماعية اليومية فيقع تحت تأثيرها برهة من الزمن ويكون مهموماً بالكتابة عنها ونقد سلبياتها، وينشغل بها عن مهام أخرى، ويجد نفسه وقد ابتعد عن الكتابة الفكرية التي تعد مهمة عظيمة من مسؤولية الكاتب ورسالته السامية. إن تواتر الأحداث السياسية وتداخلها مع الظروف الاجتماعية والدينية أفرزت حالة من الفوضى الفكرية، ووقع على إثرها كثير من الشباب ضحية لأصحاب الأهواء والأفكار المتطرفة والمنحرفة. بل أدى ذلك إلى الانقسام حتى بين أفراد العائلة الواحدة! ولعل المطالبة للعودة لفقه الاختلاف ـ ذلك الفقه النبيل الذي ظهر إبان العهد النبوي - يعد مطلباً ملحاً في ظل الظروف المحيطة بنا، ومن خلاله يمكن قبول الآخر والتحاور معه للوصول إلى كلمة سواء بدلاً من الفرقة والتمزق! وفقه الاختلاف يعني الاستقلال الفكري بمعناه الحديث، بعيداً عن التبعية والخضوع لفكر منحرف يدعو للانشطار والتشظي، ومن ثم الصراع والإقصاء. إن القضية الكبرى التي ندور حولها هي جدلية الوقوف عند النص أو إعمال العقل، فالعقل مغيب أمام النص! برغم أن شريعتنا السمحة لم يوجد بها ما يتعارض مع العقل مطلقاً إلا في مغيبات محدودة! والنوازل الحديثة والقضايا الاجتماعية والاقتصادية الحالية تستوجب إعمال العقل، بل هو من الحتمية بمكان! ومن هذا المنطلق؛ فإنه يستلزم الانفتاح على العالم بشكل متوازن، وضرورة مراجعة المنهج الفكري الذي يسلكه البعض ولا يبغي عنه حِولاً، وعلى إثره ينبغي التأكيد على الأمن الفكري في المناهج التعليمية والبرامج الاجتماعية مع قبول الاختلاف، وضرورة تعزيز مفهوم الوطنية كجزء من الأمن الفكري. وكيلا يترك الأمر اجتهاداً بين المؤسسات التعليمية والاجتماعية؛ فإنه يتحتم تأسيس هيئة حكومية مستقلة لمتابعة ذلك، مع وجوب توسيع صلاحياتها، وتكون مهامها بناء العقول وتوجيهها بشكل سليم مع قبول مبدأ الاختلاف، بحيث تشكِّل السد المنيع أمام كل ما ينشر من فكر ضال، وفتن متتابعة، وشعارات وهمية توظف باسم الدين والتوحيد وتنادي بالجهاد الفوضوي، وهي بشكلها تتدثر بالدوافع الدينية وتتلفع بالحماس وتسميم عقول الشباب. وينبغي أن يكون دور الهيئة وقائياً وعلاجياً، مع تشخيص الأحداث آنياً، ولها منبر إعلامي فعال ينشط عند كل فتنة، وتضم بين أفرادها متخصصين في الشريعة وعلم الاجتماع والنفس والتربية. ولعل السعي لإنشاء هذه الهيئة وإرسائها والإسراع في ذلك، من الضرورة التي تحتمها تسارع الأحداث وتنامي الفوضى. نسأل الله أن يهدي شبابنا للحق، وأن يعم الأمن بلدنا وسائر البلدان.