كتبت مبكراً ومحذراً من الفيروسات السياسية التي تضرب في جسد الأمة دون أن ينتبه إليها أحد. وقلت فيما قلت: إن المشكلات الداخلية لكل دولة عربية على حدةٍ طغت على المشهد بحيث لم يعد أحد يرى أو يشعر بما يختبئ داخل خلايا الجسد العربي وقد كان! لم يكن علماء الأمة وفقهاؤها وحدهم الذين تكاسلوا أو استهانوا بخطورة الفيروسات الأخيرة، فقد كان السّاسة منشغلين بأمور أخرى، والإعلاميون منشغلين بقضايا أخرى غريبة على الوطن وأهل الفكر مستغرقين في مناقشة نظريات عفا عليها الزمن! والحق عندي أن الفيروسات السياسية تتشابه إلى حدّ التطابق مع الفيروسات التقنية الخاصة بالكمبيوتر والفيروسات المرضية الخاصة بجسد الإنسان بل والحيوان والنبات أحياناً. القاسم المشترك بين هذه الأنواع الثلاثة من الفيروسات هي أنها تسبب مختلف أنواع العدوى والاضطراب، وهي أيضاً كلها لا تتكاثر ذاتيًا حيث لابدّ لها من البحث عن خلية «عائل مضيف لها» تستقرّ بداخله وتسيطر على آلية العمل والأداء بحيث تكون قادرة على التكاثر وزيادة أعدادها! على أن أخطر أنواع الفيروسات هي تلك المتعلّقة بالذاكرة سواء كانت ذاكرة الجهاز أو الإنسان.. وفي الحالة الأخيرة كان من الواضح خلال السنوات الماضية أن ذاكرة البعض قد اضمحلت أو دمرت بحيث لم يعد العدو هو العدو، ولم يعد الشقيق هو الشقيق! حدث ذلك في أكثر من مكان، بل أكثر من دولة، ولا داعي للخوض والشرح وزيادة الكلام! وإذا كان الفيروس الخاص بمحو الذاكرة العربية بات من الوضوح كذلك بمكان، فإن هناك فيروسات أخطر، هي الفيروسات «المتحوّلة».. ويكمن مصدر خطرها في أنها صغيرة جداً، ومن الصعب الإمساك بها حيث تتغيّر من جهاز إلى آخر في أوامرها! يستوي في ذلك جهاز الكمبيوتر، وجهاز الإنسان، وجهاز الدولة أو الحكومة، أو المؤسسة. ومن فيروسات التشغيل.. تشغيل الذهن، نوع غريب يظهر على أنه ليس خاصًا بالتخريب، لكنه سرعان ما يتحوّل إلى فيروس مخرّب ومنها كذلك فيروسات الملفات وهي تنتشر بسرعة بحيث يتم تدمير أي ملف فور فتحه حتى ولو كان لإرساء قيم التسامح والتصالح والوحدة العربية الحقيقية، وخذ على سبيل المثال لا الحصر ملف الوحدة الفلسطينية وملف الوحدة اليمنية وأخيراً ملف الوحدة الليبية! من حسن الطالع ، أو قل من ستر المولى جلّ شأنه على الأمة العربية أن خط الدفاع الأول في حالة وصول الفيروسات هو المناعة الطبيعية، وأظن أن لدينا حتى الآن من المناعة ما يكفي لصدّ ما يحاق بنا في الداخل والخارج. المثير والعجيب في الأمر أن الفيروسات المرضية والسياسية حلّت على الأمة العربية في السنوات القريبة الأخيرة في وقت واحد! ففيما كنا نقاوم أو نواجه الحمى القلاعية والضنك وانفلونزا الدجاج والخنازير والأيبولا وكورونا كانت أنباء داغش وواغش والنصرة والمقدس وغيرها من اسماء مستعارة تعرف طريقها إلى جسد الأمة. ومن الواضح أنه كلما كانت البيئة نظيفة ومحصنة ومطعّمة كانت الخسائر قليلة والعكس صحيح. على أن الأكثر غرابة ودهشة أن الفيروسات المرضية سبق لها أن دمرت السكان الأصليين لأمريكا، كما قتلت نحو 50 مليون شخص في إسبانيا، قبل أن تعرف طريقها إلينا.. لكن الفارق الرهيب أنهما أتيا سويًا. السياسية والمرضية معًا! ولأن الفيروسات تصيب جميع الكائنات الحية ولأن الوطن العربي كائن حي فقد آن الأوان لكي ينتفض أو قل ينفض عن نفسه غبار المصالح الذاتية الصغيرة وأن تعمل كل أجهزة المناعة الطبيعية الأصيلة.. حيث لن ينفعنا الباراسيتامول الذي ظللنا نستخدمه مسكّنا لآلام وجراح، ظنّنا أنّها شفيت واندملت لكنها مازالت تنخر في الجسد.. فاللهم رحماك. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain