ابنتي العزيزة طلبت مني قبل أيام أن نأخذ (لاتيه) ساخنا قيمته تصل إلى تسعة ريالات وفي البيت ما هو أجمل وأضمن منه! قلت لها: لا! يضرك! قالت: تكفى بابا! هذا رأيي وأنا حرة! لا تكتمني تكفى! ومن هذا (الكتم) ننطلق، فلو عاشت ابنتي العزيزة حياة جيلنا والجيل الذي قبله، لعرفت (الكتم) الحقيقي، واللحم الذي يعطى ولا يطلب مقابله إلا العظم فقط! وحيث إن كلا طرفي الأمور ذميم، فإني أعتقد أن هذه العبارة من ابنتي العزيزة -كما هي سياستنا القديمة الكاتمة- تحتاج إلى وقفة مني ومن كل أب فلا شك عندي أن معظم الآباء يسمعونها اليوم من أبنائهم، إن لم يكن بالقول الصريح فمن خلال الممارسات التي تستغرب رفض الأب لطلب أو حتى محاولته تغيير رأي! والمعاناة لدى الأمهات مع بناتهن أكبر وأعظم! هذه الوقفة مع الحرية التي يطالب بها أبناؤنا تعني المناقشة والاهتمام ووضع الخطط والتعاون وتبادل الخبرات، فآليات التساهل والترحيل والاعتماد على الأمهات المتبعة من قبلنا كآباء قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه! فمن أعظم ميزات مجتمعنا الترابط وديمومة العلاقة بين الآباء والأبناء التي جعلت الجنة عند أقدام الأمهات، والتي هي أحد صمامات الأمان الأساسية التي تحمي مجتمعنا من الانحرافات الحادة التي وقعت فيها مجتمعات تقدمت في ميدان المادة وتأخرت في ميادين أخرى أهم! ولذلك نحتاج إلى مراجعة مستمرة وتقييم موضوعي ومن ثم تطوير ورقي بخططنا التربوية! ومن ذلك وضع خطوط واضحة لحرية الرأي لدى الأبناء، وبذل جهد ووقت أكبر للقرب منهم وتوضيح المفاهيم الراقية وتنقيتها في أذهانهم، ففي عالم أبنائنا اليوم أصدقاء ووسائل إعلام مرئية ومعرفات على مواقع التواصل تمارس تشويها لكل مصطلح جميل، بحيث أصبح (ولي الأمر) رديفاً للاستبداد وقمع الحرية، ومصطلح (حرية الرأي) رديفاً لسوء الأدب وعدم مراعاة الحقوق، ومصطلح (الحب) رديفاً لتحقيق جميع الطلبات. ومن أجل ذلك لابد من العناية بالوسائل التربوية وتطوير أنفسنا في مجال الاستثمار بتربية الأبناء، وسنظل الأقوى ما دمنا نعمل ونجتهد فمعنا نداء الفطرة وأوامر الشرع العظيم! نمنع أبناءنا اليوم ونغضبهم ولكن نضمن ألا يقولوا في كبرهم: لقد أضاعنا والدانا!