في تجربة جديدة مررت بها شخصيًا، بعد أن فقدت الشخص الأهم بالمنزل وهو السائق، أنني اتجهت إلى أحد المكاتب التي تقوم بتأجير سائقين ضمن عقود لا تقل عن ثلاثة أشهر، فوجئت بالسائق الجديد أنه لا يعرف أين يضع المفتاح ولا يعلم أي الكراسي التي يقود من خلالها السيارة، توقّعت أن نظام التأجير الآتي تحت مظلة رسمية سيُقدّم للناس عمالة مدربة إلا أن الواقع أتى عكس تصوراتي؛ فالسائق الذي جلبته من شركة تدّعي قدرتها على توفير عمالة يمتلكون كل الـمهارة وجدت سائقهم يفتقد لأدنى مقوماتها، فأعدته للشركة التي من المفترض أن توفر لي بديلاً إلا أنها أخذت سائقها وأعطتني موعداً تلو الآخر وما علينا إلا الانتظار بحجة عدم توفر بديل ولا أظنه سيتوفر، لأن كل ما يقدّمونه هو عمالة لا تعرف أبجديات العمل وأنت أيها المضطر عليك أن تدفع وتدرب لهم السائق الذي لا يحمل رخصة محلية، بل إن السائق سيتدرب في من؟ بالتأكيد سيتدرب بأرواح النساء والأطفال، وما تلك اللوحات التي انتشرت على سيارات العائلات والمكتوب عليها (السائق تحت التدريب) إلا دليل صارخ على أن هذه العمالة تتدرب على حياتنا ونخرج معهم ونحن لا نعلم مصيرنا ولا أي حادث ينتظرنا، أما في أقل الاحتمالات وأهونها فإن السائق سيتدرب على السيارة التي يدفع عليها الشخص دم قلبه فيعدم كل ما فيها إلى أن يراها ركامًا عند باب منزله فيلقي عليها تحيتي الصباح والمساء، كل هذا مع مكتب تأجير السائقين لم يحدث معي لسبب أنهم اختصروا الطريق وأجروا لي سائقاً لا يعرف من أي مقعد تُدار السيارة! زبدة الكلام أن ما حدث هو عبارة عن نصب بعقود رسميّة، تُوقّع عليها وأنت مُغمض العينين ومجبر على دفع رسوم لا تقل عن 7500 ريال لمدة ثلاثة أشهر ومقدمًا، هذا عدا المصاريف الأخرى التي تتكبدها، وبعدها لك أن تُبلط البحر. أدرك جيدًا، أن فكرة هذه المكاتب رائعة لو تم تطبيق ما كنّا نتمناه من أهداف ومما يحفظ أمن وسلامة البلد والأسر في عدم تشغيل العمالة السائبة، مع أنه قبل الحملات التصحيحية التي حدثت كنا نجد سائقاً في ساعات وبتكاليف أقل من مكاتب تأجير السائقين، وبعد الحملات لم يعد متاحاً هذا الخيار، وأن أتيح فالخوف من أن تقع في جريمة مُتستر.. وأنا هنا لا أشجع العمالة السائبة، بل على العكس، سعيدة جدًا بالحملات لكن في الوقت ذاته كان من المهم إيجاد بديل سريع للحالات الطارئة، وهذا البديل هو مكاتب تأجير السائقين، لذا فمن المهم أن تكون هناك رقابة صارمة على هذه المكاتب وأن يقدّموا لنا عمالة بحجم المبالغ الكبيرة التي يتم أخذها من المحتاج المضطر المسكين، لا أن توضع هذه البدائل كشعارات وتُترك على عواهنها بلا رقابة! المصيبة الأكبر ليست في أن هذه الشركة قد جلبت لي سائقاً لا يسوق، بل إنني بعد بحث وتقص وجدت أن مالكها هو مدير مستشفى حكومي سابق، وأنه متخصص في جلب أطباء وطواقم تمريض للمستشفيات الحكومية وتشغيلهم بعقود لا تقل عن مئات الملايين.. السؤال الأصعب، إن كانت شركته تجلب لنا عمالة بهذه الرداءة فكيف ستكون درجة مهنيّة الأطباء وطواقم التمريض التي يقوم بتشغيلها في مستشفياتنا؟! نقلا عن الجزيرة