في البيئتين السورية والعراقية ظهر التنظيم الإرهابي الظلامي «داعش»، وزمن الظهور لهذا التنظيم جاء لاحقا على زمن النشوء للأزمتين السورية والعراقية، فظلم وإرهاب الأسد وشبيحته قد ولد واستفحل قبل ظهور «داعش» بسنوات، وديكتاتورية المالكي وفرق القتل الطائفية التابعة له ولدت قبل أن يتعرف العالم على «داعش» وما يماثلها أيضا بسنوات. فـ«داعش» وبعد ما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية وضد الأخلاق وضد الدين أصبح اقتلاعها واجباً لا خيار، إلا أن اقتلاع الورم السرطاني المستفحل في العراق وسوريا لا يمكن أن يقتصر على اقتلاع ما ظهر على السطح من هذا الورم، فالمعالجة السليمة والصحيحة تستوجب اقتلاع هذا الورم من جذوره ومن خلايا المنشأ التي كانت البيئة الحاضنة له أو الرحم الولاد لجرائمه وطغيانه. سجنان كانا الرحم الإرهابي، الأول في سوريا ويدعى سجن صيدنايا والثاني في العراق ومعروف باسم سجن أبو غريب. الأول خرجت منه الكوكبة الإرهابية الأولى بأمر مباشر من رأس النظام السوري الأسد، وذلك بعد عام ونصف على انطلاق الثورة السورية، والثاني وبمؤامرة مفضوحة للغرب والشرق من نسج المالكي ومعلمه الفارسي قاسم سليماني، هربت الكوكبة الثانية بشكل دراماتيكي من سجن كانت زيارته تبدو مستحيلة فكيف بالهروب منه! ومع ذلك التصدير الإرهابي من صيدنايا وأبو غريب كانت ولادة «داعش» وبدأ معها مسلسل جديد من الإرهاب والقتل والتشريد. على خلفية كل ذلك، فإن القضاء على «داعش» وما يماثلها لا يمكن أن يكون بغارة جوية هنا وأخرى هناك، ولا يمكن أن يكون بقصف مدفعي على هذا الموقع الـ«داعشي» أو بتفجير موقع آخر هنالك، فالقضاء على «داعش» يكون عبر استراتيجية واضحة طويلة المدى تبدأ من الجذور لتصل إلى الورم الخارجي، فالجذور لها الأولوية وتلك الأرحام الفاسدة وجب اقتلاعها كي تنتفي ظواهر المرض برمتها. استراتيجية تستوجب أن تكون كاملة شاملة لا تقتصر على الجانب العسكري وحسب بل تشمل كافة الجوانب التي من شأنها أن تجفف وتقتلع وتصلح كل ما جاء عبر هذه الموجة الإرهابية المستجدة. سنوات طويلة تحتاجها هذه الاستراتيجية ربما تكون سنوات عجاف وقاسية لكن القاعدة تقول إن التخلص من المرض يستوجب عبور نفق الألم وعبور الأنفاق لا تكون بالهواية والتذاكي بل بالخطط الواضحة وبالرؤى الحكيمة والتي لا يمكن أن تصاغ إلا باستراتيجية طويلة الأمد تشترك بها كل دول التحالف في الحرب على «داعش» وبخاصة الدول التي تعيش تماسا مباشرا مع هذه الآفة السرطانية، فأهل مكة أدرى بشعابها وهم قادرون أكثر من غيرهم على معرفة مكامن الضعف في هذا الورم وأفضل السبل للقضاء عليه.