أعلن مصرف التسويات الدولية أمس أن معظم المصارف الدولية الكبيرة قد أوفت، ابتداءً من الآن، بشروط نسب أموالها الخاصة السائلة من رأس المال العام للمصرف، المنصوص عليها في سياق خطة إصلاح القطاع المصرفي العالمي، المعروفة باسم "بازل 3". وتم وضع خطة "بازل 3" (نسبة إلى المدينة السويسرية التي يتخذها مصرف التسويات الدولية مقراً له) في أعقاب الأزمة المالية العالمية (2007) التي أصابت المصارف الكبرى بجفاف شديد في السيولة النقدية، ما أدى إلى خفض الاعتمادات الدولية فصلاً بعد فصل، الأمر الذي دفع الحكومات والمصارف إلى البحث عن أشكال أخرى من التمويل، بما في ذلك سوق السندات. وتم تكليف "لجنة بازل" الاضطلاع بإصلاح شامل للقطاع المصرفي بصورة تعزز إلى حد كبير الاحتياجات اللازمة للمصارف بصورة تجعل منها قادرة على استيعاب الخسائر في حالة الصدمات دون أن تضطر الحكومات إلى الهروع لنجدتها من أموال دافعي الضرائب، مثلما حصل في الأزمات المالية السابقة كافة. ووفقاً للتقرير الفصلي الذي صدر أمس عن "لجنة بازل"، فإنه إلى 31 كانون الأول (ديسمبر) 2013، وقعت نسب النقد السائل في الفئة 1 من المصارف في المتوسط بحدود 10.2 في المائة، وهو أعلى من متوسط نسبة الـ 4.6 في المائة التي كانت عليها المصارف عند حلول الأزمة، مما جعلتها أكثر ضعفاً في مواجهتها. وتستند هذه الأرقام إلى بيانات تم جمعها من عينة من 102 مؤسسة مصرفية كبيرة نشطة في خارج بلد المقر، طبقاً لما قالته "لجنة بازل" التي تراقب في فترات منتظمة التقدم الذي تحرزه الصناعة المصرفية على هذه الجبهة. وفي إطار الخطة الإصلاحية، ثبتت قواعد "بازل 3" الحاجز الأدنى للسيولة على ارتفاع 7 في المائة للمؤسسات المصرفية الكبيرة ابتداءً من 1 كانون الثاني (يناير) 2019. علاوة على ذلك، أضاف مصرف التسويات الدولية أعباءً إضافية على المصارف الكبيرة (المصارف التي تتمتع بأهمية منهجية عالمية، حسب تسمية المصرف) التي اعتبرها المصرف "كبيرة جداً على الفشل"، حسب التسمية الانكليزية، أو "كبيرة جداً على الإفلاس"، حسب التسمية الفرنسية. تُلزم الأعباء الإضافية على المصارف الكبيرة امتلاك، وتحديداً، "ينبغي عليها" امتلاك "وسائد إضافية في رأس المال لمواجهة الصدمات"، حسب تعبير المصرف. ولاحظت "لجنة بازل" في تقريرها، أن المبالغ التي ما زال يجب على المصارف جمعها والتي لم تتمكن، في الأساس، من أن تصل إلى المستويات المطلوبة التي حددتها قواعد "بازل 3" قد "انخفضت" من جديد هي الأخرى. وكشف مصرف التسويات الدولية لأول مرة اليوم أنه في نهاية عام 2013، بلغ مجموع المبالغ التي جمعتها المصارف "كوسائد وقائية ضد الأزمات" هي بحدود 15.1 مليار يورو (19.5 مليار دولار) مقارنة بـ 57.5 مليار يورو (74.3 مليار دولار) قبل ستة أشهر سابقة. ولوضع هذا الرقم في المنظور، أشارت لجنة بازل إلى أن مجموع الأرباح بعد الضرائب، لكن قبل توزيعها على المساهمين، بلغت 419 مليار يورو (541 مليار دولار) في أواخر 2013. وفي تفسير التراجع في حجم احتياطي السيولة النقدية، قال كلود بوريو، رئيس قسم النقد والإدارة الاقتصادية في مصرف التسويات الدولية لـ "الاقتصادية" أن مناخ الاستثمار المشجع الذي يحلّ بعد خمس سنوات من الخروج من الأزمة العالمية، هو الذي يدفع المصارف والشركات والحكومات نحو التنافس في خلق الثروات. وفي الربع الأول من عام 2014، توقفت النشاطات المصرفية الدولية عن الانقباض بعد أن شهدت الاعتمادات عبر الحدود أول زيادة كبيرة منذ عام 2011، بل أن قراءة "الاقتصادية" لإحصاءات التقرير تكشف أنه بين أواخر كانون الأول (ديسمبر) ومطلع آذار (مارس) زادت الاعتمادات بحدود 580 مليار دولار. القروض بين المصارف، التي ساهمت في تحقيق الانتعاش، زادت من مبلغ 298 مليار دولار، وزادت القروض المقومة باليورو بحدود 163 مليار دولار. وارتفعت القروض عبر الحدود إلى البلدان الناشئة بحدود 166 مليار دولار. ووفقاً للبيانات التي جمعها المصرف، فالمتوسط المرجح لنسبة السيولة قصيرة الأجل، التي ستدخل جزئياً حيز النفاذ في مطلع العام المقبل، سترتفع في 31 كانون الأول (ديسمبر) المقبل بنسبة 119 في المائة، مقابل رفعها بنسبة 114 في المائة قبل ذلك بستة أشهر. وستكون نسبة الـ 119 في المائة قابلة للتطبيق اعتبارا من 1 كانون الثاني (يناير) 2015، أما عتبة الحد الأدنى للصعود، المقررة أصلاً بحدود 60 في المائة، فستبدأ بالارتفاع تدريجيا لتصل إلى مائة في المائة في عام 2019. من جانب آخر، عاد مصرف التسويات الدولية، الذي يعتبر بمثابة "المصرف المركزي للمصارف المركزية" إلى تقديم التفاصيل المتعلقة بانخفاض تقلب الأسواق المالية في تقريره الفصلي بعد أن قدم إيجازاً عن ذلك قبل أسبوع. وقال المصرف أنه بعد فترة طويلة من الهدوء، شهدت الأسواق المالية حلقة من التقلب في أوائل آب (أغسطس) الماضي إثر عودة تصاعد حدة التوتر السياسي المتعلق بالنزاع في أوكرانيا الذي أضاف للأسواق قلقاً جديداً في ذات الوقت الذي ظهرت فيه بعض مؤشرات الانتعاش الاقتصادي. وأضاف: "على الرغم من سرعة عبور الأسواق هذه المنطقة من الاضطراب وتمكن المصارف من محو خسائرها في مطلع أيلول (سبتمبر) الجاري، لكن لابد للمصارف من توخي الحذر من المخاطر الجغرافية ـ السياسية والاقتصادية التي لم تختف كلياً، وأن البيئة الحالية تدعو إلى التمتع بميزة الحذر". وقال المصرف أنه من الأفضل للسلطات الرسمية أن تقوم بتعزيز المصارف بدلاً من القطاعات غير المصرفية على الرغم من اكتساب الأخيرة أهمية.