ضيف المشوار خاض حرباً من أجل الدفاع عن العدالة الاجتماعية وحقوق المصريين، فقد ترشح لرئاسة جمهورية مصر العربية مرتين وكان تالياً في الأصوات مع المرشح الفائز، خرج من القاعدة الشعبية ليقودها مطالباً بحقوق الفلاحين والعمال والمصريين وقاد المظاهرات الطلابية عندما كان صغيراً من أجل ذلك، فكان أصغر معتقل سياسي، حتى تخرج من الجامعة فأصبح ممثلاً عن أبناء دائرته في البرلمان ثم انتقل حلمة لرئاسة الدولة. حمدين صباحي خرج من الطينة المصرية فقد كان والده فلاحاً بسيطاً مثل كثير من المصريين، لكنه استطاع أن يترك بصمة على المجتمع ومازال يناضل من أجل حقوق فقرائه سواء داخل البرلمان عندما كان نائباً أو عندما كان مرشحاً للرئاسة أو عندما كان رئيساً لأهم الأحزاب السياسية أو عندما كان زعيماً للتيار الشعبي المصري الذي قاد معارضة ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، حتى أسقطه شعبياً. مناضل منذ الصغر في البداية، بدأت حياتك منذ كنت صغيراً بمغامرات كثيرة أودت بك إلى غياهب السجون وسببت لوالديك مشاكل كثيرة؟ - حياتي كانت حقيقة مصدر إزعاج للوالدين عليهما رحمة الله، ولكنني كنت أناضل من أجل تحقيق مكتسبات حقيقية للشعب المصري، وأتذكر أنني وقفت أمام الرئيس الراحل، محمد أنور السادات في أعقاب انتفاضة يناير وكنت رئيساً لاتحاد الطلاب وطالبته بضرورة تحقيق مكاسب ثورة يونيو، وللمناسبة والدي كان يشجعني على ذلك رغم أنه كان يخاف علي. وقد سجنت كثيراً وكنت في مرحلة من المراحل أصغر سجين، فعندما اعتقلت على أعقاب أحداث 17- 18 يناير 1977، كنت أصغر سجين ولم أخش السجن وقتها، وكان هدفي تحقيق طموحات أبناء بلدي، وعندما قام الرئيس أنور السادات باعتقالات سبتمبر عام 1981 كنت أصغر معتقل وقتها. فمعركتي الوحيدة التي أعيش من أجلها هي الدفاع عن حقوق الفقراء والمحتاجين وليس لي قضية غيرها، ولذلك رشحت نفسي في البرلمان من أجل هذا الهدف ولرئاسة جمهورية مصر العربية مرتين أيضاً لهذا الهدف، فقضايا الفقراء هي أولى القضايا التي تتصدر أولوياتي، وقد سجنت أكثر من مرة، وأتذكر مرة قمت بالتظاهر تنديداً بقانون العلاقة بين المالك والمستأجر عام 1997 وأخرى عام 2003 وقد كنت نائباً عن البرلمان دون رفع الحصانة عني بسبب التنديد بغزو العراق. نريد أن نتعرف أكثر على طفولتك، وهل شجعك والدك على معارضة السلطة؟ - والدي كان فلاحاً بسيطاً لا يعرف فكرة الصدام، كان يعيش حياة هادئة وهانئة بسبب تصالحه مع نفسه والحياة، وأنا في ذات الوقت لا أحب الصدام مع السلطة ولكنني أعشق الانحياز لحقوق الضعفاء والفقراء، ورغم بساطة والدي إلا أنه كان يشجعني على الجهر برأيي وعدم الخوف، كان يخاف عليّ وفي الوقت نفسه يدفعني لقول الحق؛ ومن عباراته المأثورة «من يحمل هم الناس يحمل الله همه يوم القيامة»، تولدت بداخلي فكرة المشاركة في العمل العام، وكنت أتصدر ذلك من خلال العمل الطلابي وكنت أميناً لاتحاد طلاب الكلية ثم نائباً لاتحاد طلاب الجامعة. سياسي في الثانوية قبل أن ننتقل لمرحلة الجامعة وما فيها، أنت مارست العمل السياسي وأنت طالب في المرحلة الثانوية؟ - نعم مارست العمل السياسي وأنا طالب في المرحلة الثانوية عندما توفى الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، فأنشئت رابطة الطلاب الناصريين بمدرسة الشهيد جلال الدين الدسوقي، بهدف استكمال حلم «عبدالناصر» الذي لم يكتمل بخصوص العدالة الاجتماعية، فأهداف المصريين من أجل الثورة لم تتحقق بعد، وبالتالي كان يجب العمل من أجل ذلك، وكان وقتها براعم صغيرة، فأنشأنا هذه النوادي وعملنا على تفعيلها وكانت منابر سياسية شارك فيها الطلاب وكانت تساعد على نشر الوعي على نطاق كبير، فهذه المنابر هي المسؤولة عن تربيتنا سياسياً وإليها تعود فكرة تربية هذا الجيل. البعض يتهمك بأنك شاركت في مسرحية هزلية من خلال ترشحك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي كانت محصورة بينك وبين السيسي؟ - أنا لم أشارك في مسرحية هزلية، وإنما أولئك الذين يريدون تشويهي وإسقاط مصر هم من يشاركون في مؤامرة كبيرة ضد الوطن، هذه الانتخابات كانت نزيهة بشهادة العالم، غير بعض الملاحظات التي تحدثت فيها وقتها، وهدفي ليس النجاح وإن كنت أسعى لذلك، ولكن هناك هدف أهم وأكبر هو مصر، فلا يمكن أن أفوز على جثة الوطن، ولا أريد أن يكون الوطن ضحية نجاحي، ولذلك شاركت في الانتخابات وبذلت قصارى جهدي والهدف واضح بناء مؤسسات الوطن بعدما خربها الإخوان المسلمون على مدار عام كامل. عاشق صحافة عودة إلى مراحل النشأة الأولى، لماذا اخترت كلية الإعلام للدراسة فيها؟ - كلية الإعلام كانت من أولى الكليات التي أرغب في الالتحاق بها لولعي بالصحافة أولاً، ولأنني أعشق كما ذكرت لك الدفاع عن حقوق الناس، فعملي الصحفي سيؤهلني لهذه الوظيفة؛ ولذلك دخلت الكلية ومارست العمل الطلابي وغيرت لائحة العمل الطلابي وانتقدت الرئيس السادات وجهاً لوجه ثم خرجت للعمل بعد ذلك وكنت رئيساً لحزب الكرامة ورئيساً لتحرير الجريدة التي تصدر عنه، إلى أن انشغلت بالعمل العام من خلال البرلمان وقيام ثورة يناير والانشغال بالشأن العام من خلال إدارة المرحلة الانتقالية ثم معارضة الإخوان عندما كانوا في السلطة ثم قيام ثورة 30 يونيو والترشح للمرة الثانية في الانتخابات الرئاسية. لمجرد دخولك كلية الإعلام وأنت لم تعمل صحفياً ولم تعير المهنة التي أحببتها أي اهتمام؟ - هذا غير صحيح أنا عملت صحفياً فور تخرجي في جريدة صوت العرب وفي أكثر من مكان، ثم كانت رئاسة تحرير جريدة الكرامة وهي من أهم الصحف المصرية في وقت من الأوقات قبل قيام ثورة يناير، كما أنني ترشحت في انتخابات نقابة الصحفيين وكنت عضواً لمجلس النقابة على مدار أربع سنوات؛ وهذا بمثابة إجماع على دوري وعلاقتي بمعشوقتي الأولى الصحافة، حقيقي انشغلت عنها فيما بعد ولكنه انشغال العاشق والولهان. خطر «الإخوان» عارضت جماعة الإخوان المسلمين عندما كانوا في السلطة، كيف ترى خطرهم على الأمن القومي العربي؟ - الإخوان المسلمين يمثلون خطراً ظاهراً غير خفي على الأمن القومي العربي وليس مصر كما يظن البعض، ولعل التجربة المصرية عندما تولت الجماعة السلطة شاهدة على ذلك، فهم كانوا يهددون الدولة بمؤسساتها، وعلى الجميع أن يعي التهديدات التي يمثلونها وأظن أن دول الخليج أدركت خطورتها سريعاً وتعاملت مع الموقف بما يستدعيه وهذا ذكاء. عارضنا الإخوان عندما كانوا في السلطة وشعرنا بخطورتهم وأظهروا وجههم القبيح، كما أننا كنا نطالب لهم بحرية العمل عندما كانوا مستضعفين يتخطفهم النظام السياسي، أنشأنا التيار الشعبي وجبهة الإنقاذ وقد كانا المسمار الأخير في نعش التنظيم في مصر غير أنه مازال يتنفس من بقية أجزائه في الأقطار الأخرى وهو ما يعرف بالتنظيم الدولي. كنت من أقرب المعارضين قرباً للإخوان وترشح حزبك السياسي على قوائم الجماعة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، كيف حدث الشقاق متفهماً خطرهم؟ - كنت قريباً منهم ومن كل القوى السياسية معارضة أو غير معارضة، وكان رأيي المتواضع ضرورة إتاحة فرصة العمل السياسي لكل المكونات الشعبية دون أن أدري حجم الكارثة الإخوانية، وبالفعل ترشح حزب الكرامة الذي أتشرف برئاسته على قوائم حزب الحرية والعدالة، وعندما تولوا السلطة أظهروا وجههم القبيح وكان يجب مواجهتهم ومجابهتهم، فكما كنت أدافع عنهم كنت سبباً في كشفهم وسقوطهم سياسياً. البعض يقول عنك إنك لم تكن معارضاً ولكنك كنت تحب الظهور بثوب المعارض؟ - الناس تقول الكثير، ولو سلمنا لهم ما تقدمنا خطوة للأمام، البعض يعتبر معارضتي شراسة والبعض الآخر يعتبرها معارضة مستأنسة، وأنا شخصياً راض عن نفسي، المعارضة لها مفهوم خاطئ في تفكير الناس هي أنك تجرح وتعارض من أجل المعارضة وفقط دون أن تكون لك إستراتيجية، وهذه ليست سياستي، فرغم أنني معارض إلا أنني كنت أقيم جسوراً مع السلطة بهدف خدمة وطني، فليس السلطة كلها سيئة وليست أفعالها كلها ملائكية، فيأخذ منها ويرد وهذا ما أمارسه وقد لا يروق للبعض. مواجهة الإرهاب كيف ترى الأوضاع السياسية في المنطقة، وكيف يمكن مواجهة الإرهاب الذي يلوح في الأفق؟ - هناك من يحاول إحداث شق في الصف العربي من خلال دعم المعارضة في دول المنطقة بهدف إحداث قلاقل وتفتيت المنطقة من خلال الشرق الأوسط الجديد، وهناك دول في المنطقة كما قال العاهل السعودي، الملك عبد الله ترعى الإرهاب، فالإرهاب لا ترعاه جماعات وتنظيمات مسلحة فقط وإنما هناك دول تفعل ذلك، وهو ما يتطلب دوراً عربياً قوياً، ولعل هذا هو الإجابة عن الجزء الثاني من السؤال، بضرورة مواجهة الإرهاب من خلال التنسيق العربي للحفاظ على المنطقة من الخطر المحدق، وأظن أن أغلب دول المنطقة بدأت تتعافى بسبب ثبات وقوة هذه الدول وغياب الرؤية الواضحة أو المقنعة لهذه التنظيمات. هوايات ما هواياتك وهل تنازلت عنها بعد انشغالك في العمل العام؟ - من أهم الهوايات التي أحب ممارستها لعب كرة القدم والشطرنج، وللأسف الشديد عندما ينشغل الإنسان بالعمل العام يضطر أن يتنازل عن أشياء كثيرة في مقدمتها ما يهواه، فيخرج من إطار ما يهواه إلى إطار ممارسة ما يبغضه، على اعتبار وجود أشياء كثيرة يبغضها الإنسان في مراحل حياته المختلفة في العمل السياسي ولكنه مضطر للتعامل معها، وعلى كل بين الوقت والآخر، أحاول ممارسة هذه الهوايات عندما أسافر إلى مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، مع الشباب ولا مانع أن يكون ضمن الفريق الذي ألعب معه بعض عجائز السياسة، أما فيما يتعلق بلعبة الشطرنج، فأنا أمارسها كثيراً حتى مع أولادي داخل المنزل. بخصوص أولادك والمنزل، هل تجد وقتاً للجلوس معهم؟ - أكثر الذين يتعرضون للظلم الواضح والبين هم أولادي ولكنني أحاول تعويض ذلك من خلال مصاحبتهم بين الوقت والآخر والجلوس معهم وقتاً طويلاً، ولا تنسى أنني أعيش بين القاهرة وكفر الشيخ، حقيقي أنني مستقر في القاهرة ولكنني ما زلت مرتبطاً بدائرتي وأسافر بشكل منتظم لمتابعة أهلها، فأنا نائباً عنهم حتى ولو لم يكن هناك برلمان. هل تنوي الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة؟ - هذا السؤال سابق لأوانه، أنا لا أرشح نفسي في الانتخابات من أجل الترشح وإنما هناك هدف وغاية وهو خدمة الناس من خلال برنامج لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولا أعرف إن كان المستقبل يحمل ملامح خاصة بالتقدم في هذه المعركة أم لا، وعلى كل وقتها سيكون هناك قرار ولكل حادث حديث. ما أمنياتك الخاصة والعامة؟ - أمنياتي العامة هي أمنياتي الخاصة نفسها، أن ينهض الوطن من كبوته وأن ترتفع علامات النصر بعد أن تحدث وحدة حقيقية بين الأقطار العربية كافة لمواجهة ما تتعرض له من أخطار، فنحن نريد وطناً عربياً قوياً وهذا لن يحدث إلا عندما تتوافر الإرادة الحقيقية لذلك ونتمنى أن يحدث. ما مشاريعك القادمة؟ - ليس لي سوى مشروع واحد هو خدمة الوطن العربي، فأنا رهن أي إشارة لتقديم هذه الخدمة ولنصرة وطننا الذي يعاني من أزمات بفعل أبنائه وأعدائه معاً، ولذلك لا أجد مكاناً أو كلمة يمكن أن تقال إلا وأتعرض لها وأبادر بها لهدف أسمى هو الوطن ولا شيء سواه. لا اعتزال قالوا عنك إنك تستعد لاعتزال العمل السياسي عندما لم يوافقك الحظ في الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟ - هذا مستحيل، هل يوجد شخص في الدنيا يعمل من أجل خدمة وطنه ويعتزل العمل السياسي أو يعتزل خدمة هذا الوطن، أنا أخدم الوطن في أي موقع كان ولن أتوانى عن هذه الخدمة مهما حدث، ولن أفرط في وطن أعطاني الكثير وما زال يعطي، ووطني الأكبر العالم العربي والإسلامي أما مصر فوطني الصغير وأنا أفتخر بكلا الوطنين وسأظل وفياً لهما. في النهاية نشكرك على إتاحة هذا الحوار، ونسألك عن سؤال كنت تتمناه في هذا الحوار؟ - كنت أتمنى أن تسألني عن شعوري تجاه المملكة العربية السعودية التي وقفت مع مصر وما زالت وهو شعور لا يمكن أن ينساه المصريون مهما طال الأمد، وهذا إن دل فإنما يدل على وعي وثقافة وحكمة من قبل العاهل السعودي، ونتمنى أن تظل العلاقة بين البلدين على القوة نفسها خدمة للوطن العربي بأكمله، فكل من مصر والسعودية يمثلان تحالفاً من أجل الدفاع عن الأمن القومي العربي.