×
محافظة المنطقة الشرقية

بتنظيم من الصحة العالمية جدة تشهد انطلاق ورش العمل الصحية لمناقشة إيبولا وكورونا

صورة الخبر

«التباسات الحضارة» كتاب مهم لبرتراد بينوش أستاذ تاريخ الفلسفة الحديثة في جامعة باريس، والسوربون وله دراسات وكتب عديدة في هذا المجال. يقدم الكتاب تحليلاً فلسفياً ل«التباسات الحضارة» من النواحي الدلالية والوظيفية بعد فشل تصنيفها تراتبياً، ويبين معناها، مظهراً على سبيل المثال كيف كان استعمالها نادراً في النصف الثاني من القرن الثامن عشر في فرنسا، إذ لم تكن تدل على مفهوم معين، ويبرز الكتاب في استعراضه لمختلف المفاهيم في هذا الشأن، كيف أصبحت الحضارة مصطلحاً رئيساً يتعين على الفيلسوف أن يجعل معناه واستعمالاته محايدة فيما يتناوله المؤدلج بشكل عقائدي ويستخدمه لأهداف معيارية تقييمية. وحيث يشير المؤلف إلى أننا نستخدم كلمة «حضارة» بمعان شديدة التنوع وكثيراً ما تكون غير دقيقة بالكامل، وبشكل عام، يمكن تصنيف المعاني التي تنسب إلى هذه الكلمة بشكل واضح أو ضمني إلى فئات ثلاث، أولاً، في اللغة الأكثر شيوعاً، يرتبط مصطلح حضارة بحكم حتمية ويصف بشكل إيجابي المجتمعات التي تستخدم هذه الكلمة لوصفها، وهو يفترض بالتالي وفي المقابل وجود شعوب غير متحضرة أو متوحشة (....) ثانياً، الحضارة هي مظهر معين من الحياة الاجتماعية، ثمة مظاهر في الحياة الجماعية يمكن تسميتها بالظواهر الحضارية أو تسمى، في حال تجسدت ضمن مؤسسات ونتاجات، أعمالاً حضارية، في حين أن أخرى لا تستحق بالطبع أن تنضم إلى هذه الفئة، وأخيراً، تنطبق كلمة حضارة على مجموعة من الشعوب أو المجتمعات، وهكذا، إلى جانب الحضارة التي هي درجة عالية من التطور أو مجموعة من السمات المميزة، ثمة حضارات متنوعة تمتلك هذه السمات وتستقي منها شخصية خاصة تعطيها مكانة محددة في التاريخ أو بين مجموع الشعوب في لحظة معينة، يرتبط هذا المعنى الثالث بالتالي مع واحد من المعنيين السابقين فيجله مفهوماً عملانياً في إطار تحليل الواقع الاجتماعي. وانتقالاً إلى الشرح فمن الواضح أن الحضارة التي يستدعيها بالذاك هنا ضد الإلحاد ترتسم (بشكل محاكاة هزلية؟) في خط الحضارة المسيحية، بل هو على العكس، التأكيد أن النظام المتحضر لا ينبني ضد التطير المسيحي، بل هو على العكس نتاج له، يمكننا بالطبع في هذا الاتجاه، الصعود إلى «عبقرية المسيحية في العام 1802 وما قبلها كما نرى مع ميرابو الأب». الحضارة مصطلح في فقه القانون، هو فعل عدالة وحكم يجعل من المحاكمة الجزائية محاكمة مدنية، تُصنع الحضارة بتحويل المعلومات إلى تحقيقات أو العكس، ف: «صديق البشر» قد استعمل هذه الكلمة قاصداً القابلية الاجتماعية، انظروا إلى هذه الكلمة، فالدين هو، من دون منازع، الكابح الأول والأكثر منفعية للبشرية إنه أول دافع نحو الحضارة، هو يعظنا ويذكرنا باستمرار بإخوة البشر وبلطف قلوبنا. من الواضح أن الكلمة هنا موصولة بكلمة أكثر قدماً والنية منها جدالية، فإذا كان الدين حقاً «أول دافع نحو الحضارة» وإذا كانت هذه الأخيرة هي ذاتها القابلية الاجتماعية، يجب أن نستنتج أن الدين هو الدافع الأول للقابلية الاجتماعية، بيد أن هذا الطرح يقدم بشكل واضح على عكس في الموسوعات، حيث المقال بعنوان مجتمع يقول: الدين وحب الذات والقابلية الاجتماعية دوافع ثلاثة مختلفة توفر لنظام الإنسانية الحركة والفعل، وهي دوافع يختلف الواحد منها عن الآخر تعمل متضافرة لتنفيذ إرادة الله. يبيّن لنا التاريخ البشري على كامل الكوكب مسيرة وتقدم الشعوب والحضارة والأنوار، بحسب مسيرة الشمس والعلوم والفنون التي تنتشر شيئاً فشيئاً من الجنوب إلى الشمال وتتوقف عند خط عرض معين يبدو أنه مقدّر لها ألا تختاره أبداً، نرى هنا للمرة الأولى ربما، زمن الحضارة يتطابق مع زمن الرزنامات وينتشر على مساحاة الكوكب، هذا ما يسميه باين «الحضارة الممتدة» والذي يعني بها بالتحديد تأسيس قانون وضعي على المستوى العالمي، بعد أن تحضرت الأمم، أي صار لديها حكومة مدنية الواحدة بمعزل الأخرى وجب الآن مد هذه الآلية إلى أنحاء الكوكب الأرضي كافة. تجدر الإشارة إلى أن الحضارة حينما تصير عالمية بهذه الطريقة فهي تصبح غير قابلة للانعكاس طالما كانت تجسيداً خاصاً وتقريباً لمسيرة مجردة، كانت تعتبر قادرة على أن تنجر جزئياً فقط، بحسب الظروف، وفي المقابل، حينما صار مقدراً لها أن تغطي مساحة الكوكب كافة صارت بمعزل عن أي انقلاب في الوضع كما عن أي نهاية للعالم. تتطابق الحضارة بشكل كامل وفاقع مع قابلية التحسين: إن نوعاً من بداهة تاريخية هي التي قادت إلى إعادة تعريف المصطلحين وتثبيت معناهما وإرجاعهما بشكل ملحوظ وخاطئ إلى تورغو الذي بدا آنذاك بعد انتهاء المسألة، نوعاً من أبٍ مؤسس فأصبحت الحضارة الكونية وقابلية التحسين إلى ما لا نهاية، صفتين قابلتين للتبادل في وصف التاريخ. إن الحضارة الحاصلة في الكوكب الأرضي ما سيكون سياج الحرية والعدالة وحسن رجائها: تقدم العادات والعقل، وإذا صارت الفنون والعلوم على تحسن، هل يجب أن نعتبر السياسة وحدها يجب أن تظل في المؤخرة. يقول الكاتب: دعوا الأشياء تسير وشأنها، هذا هو الشعار الذي يجب أن يكون لدى أي سلطة عامة، منذ أصبح العالم متحضراً لقد خرج البشر من الهمجية وهم يتعاطون الفنون بشكل جيد جداً، امتلكوا القوانين والنماذج والبحوث من كل نوع ليعرفوا أين توجد حسن الممارسة، دعوهم وشأنهم وستلاحظون أن كل شيء يتأثر حيث يحترم هذا الشعار بالشكل الأفضل في الجمهوريات تزداد الثروات الخاصة، وتزدهر ويستمتع كل بملكه ونرى تقدم الفنون المفيدة فيها لذلك في مقاطعاتنا، فكلما ليس خاضعاً إلى السلطة وكلما يترك نشاط الإنسان أكثر حرية ينطلق ويثمر، لكن في الملكيات، وبالأخص كلما كانت مطلقة أسقطت السلطة العامة كل شيء ودمرت وأغضبت وأبدت، هي تستملك كل شيء ولا تصغي إلا إلى أهوائها، وتتسلط وتفقد صوابها، انظر أي خراب يسود بلاد فارس وتركيا وإسبانيا نتيجة تهوّر الملوك والرؤساء وجنونهم المدمّر.