منذ ظهور التنظيمات المسلحة قبل عقدين من الآن، وكاتب هذه السطور مع زملائه في الإعلام يؤكدون على ضرورة مواجهة الخطاب المتطرف بخطاب معتدل. لا يمكن أن نقول للتكفيري الحجة المأمولة بمنطق التكفير. حين نقول للمتطرف: إذا كفرت المجتمع فأنت تقوم بعمل كفري، وأنت بالتالي من الكافرين فهذا امتثال للمثل العامي: كأنك يابو زيد ما غزيت! الخطاب التكفيري لا يواجه بالتكفير، بل بمنطق الحجج والملاحقة المنطقية، والمناصحة الشرعية ضمن الحدود الإنسانية والأساليب المدنية، وضمن الإسلام المعتدل الذي يجمع المسلمين بالمشتركات ولا يفرقهم على موضوعات الاختلاف ومسائل النزاع وقضايا الاختلاف والصراع، زمن التكفير بالتكفير يجب أن ينتهي ويذهب إلى غير رجعة! فوجئنا ببعض الفقهاء حسني النية، يصف داعش بالكفار متوقعا أنه بهذه الصيغة يفضحهم ويعريهم ويضربهم بمقتل! كذلك الأمر بمسألة الاستتابة والفحص على مواضيع نقد المؤسسات مثل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا أظن أنه من المناسب وصف من ينتقد الهيئة ويعترض على أخطائها بأنه من المنافقين، ذلك أن الهيئة مؤسسة حكومية لها ما للمؤسسات من إيجابيات وسلبيات. وبالتالي حين يتم انتقادها فإن هذا ليس انتقادا للدين، والنبي عليه الصلاة والسلام قال لمعاذ وهو الصحابي الجليل: أفتان أنت يا معاذ؟! النقد ليس عدوانا أو ضربا أو نفاقا أو كفرا، بل هو تصويب وامتثال لرؤية الملك عبدالله حين أمر بالنقد حين يكون ثمة خطأ، وأمر جميع المسؤولين بالمؤسسات بأن يتفاعلوا مع انتقادات الصحافة والإعلام. لا تواجهوا التكفير بمثله وبمنطقه، بل واجهوه بالحجة الدامغة والقول الصائب والرؤية المعتدلة المتسامحة حتى لا نلدغ من ذات الجحر مرتين، منذ عقدين والمواجهة الفكرية ليست فاعلة وهذا يدل على خلل ما. أتمنى من كليات علم الاجتماع وجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية دراسة سبب هذا الإخفاق لنستفيد جميعا من هذا السؤال المقلق في زمن تنتشر فيه ثقافة الدماء.