خذ ورقة صغيرة واكتب قائمة بالأشياء التي أدمنت عليها، وإذا كنت تقول بينك وبين نفسك: (لن أفعل ذلك) فحاول أن تعدها على أصابع يديك، وإذا امتنعت أيضاً عن جمعها في أنامل كفيك فعلى الأقل رقمها في ذهنك بعد استذكارها في دماغك، وإن كنت رافضاً تماماً لهذه الفكرة فلا حاجة لك بإتمام المقال، وإن عاندت وأكملت المقالة فستكتشف أنك تلقائياً بدأت التفكير ببعض العادات التي وقعت تحت أسر شباكها. كان مصطلح "الإدمان" في السابق مرتبطاً بشكل شبه حصري على متعاطي المخدرات والكحول، ولكننا اليوم نعيش في عالم امتدت سيكولوجية الإدمان إلى أشياء كثيرة في حياتنا، فبعضها هو سلوك سلبي في أصله كإدمان التدخين والمخدرات والأفلام الإباحية ونحوها، والبعض الآخر هي أشياء عادية وإيجابية في أصلها، ولكن الإدمان حولها إلى منطقة سلبية كإدمان الانترنت وهوس الشراء وشراهة الأكل وإدمان العمل ونحوها، ونحن بأمس الحاجة للحظات توقف مسترخية لمراجعة عاداتنا السلوكية وأثرها على حياتنا وسعادتنا، ولتحسين أوضاعنا المعيشية ومزاجنا النفسي يتوجب علينا الفحص الدوري لمستويات الإدمان في عاداتنا السلوكية. عندما يكون الحديث عن "الإدمان" فنحن نتحدث هنا عن "الرغبة القهرية"، فلا مشكلة عندما نرغب بشيء جميل، ولكن المشكلة تقع عندما تتحول هذه الرغبة من رغبة طبيعية إلى رغبة قهرية لا نستطيع التحكم بها، فجوهر مشكلة "الإدمان" مع العادات الجيدة هي "فقدان السيطرة" على أنفسنا معها، ومتى ما أقبلت على عادة جميلة رغماً عنك فأنت في دائرة غير جميلة. "الإدمان" يجعلنا في حالة شعورية ضاغطة من "عدم الاكتفاء"، والرغبة الملحة التي تقول لك: (أنا بحاجة للمزيد)، وهنا نفقد المتعة الأولى التي كنا نحسها مع هذه الأشياء في بدايتنا معها، وهذه المرحلة الإدمانية تورث عندنا مشاعر سلبية من الاكتئاب والقلق واعتلال المزاج، وتضيع أوقاتنا معها مع استمرار في الحالة المزاجية السيئة. بعض المختصين يحاول طرح الحلول من سلوكياتنا الإدمانية بطريقة "الإلهاء السلوكي"، وأنا أختلف كثيراً من ناحية المبدأ مع هذه الطريقة، فهذه أشياء مساعدة وليست أساسية، والمفتاح الأقوى للخروج من السلوكيات الإدمانية يكمن في تفوق السيطرة على الرغبة ذاتها، بمعنى أن تكون رغبة السيطرة هي الرغبة الأقوى، وبالتالي تكون لذة السيطرة على رغباتنا أكبر من الرغبة بذاتها، وعندها نقول: (إدمان السيطرة على أفعالنا هو الإدمان الصحي الوحيد). كثير من الأشياء التي اعتدنا عليها نعتقد أننا سنعاني بدونها، وستكون حياتنا أسوأ بدونها، ولو جربنا التخلي عنها لفترات لاكتشفنا أن هذه المعاناة المفترضة ليست دقيقة على الإطلاق، وترك بعض العادات أحياناً حتى تثبت لنفسك أنك تسيطر على حياتك سيجعلك أكثر سعادة، وأذكر أنني سألت الشيخ عبدالعزيز التويجري - أحد أشهر الدعاة في دعوة الجاليات غير المسلمة في السعودية - عن العادات التي لا تفارقه في السفر، فقال: (أفضل عادة ألّا يكون لك عادة). ابتعد عن طقوسك المعتادة لتكتشف نفسك ومن حولك من جديد..