×
محافظة جازان

جازان.. والد الطفل المعنف أجبر أطفاله على السرقة والتسول

صورة الخبر

في المقالات الثلاث المقبلة سأتناول بعضاً من تجربتي في أميركا، إذ قد أقمت فيها قرابة عشر سنوات. ثلاث مقالات لا تكفي لتجربة أظنها غنية ومتنوعة، ولكنها تستعرض بعضاً من الذوات الإنسانية التي أثرت فيّ بشكل عميق. - معرفة خارج الكتب لسبب أجهله، أظن أن الله يحبك. فمع كل المخاطر التي تضعين نفسك فيها إلا أنك لا تزالين سليمة. هكذا أنهت أمي حديثها لي بعد معرفتها أنني قدت السيارة وبشكل متواصل ٢١ ساعة من ولاية أختي إلى ولايتي. كنت مع ابني وبسبب العاصفة الثلجية لزمنا وقت أطول من المعتاد. لم أخبر أمي أنني في الطريق، وبسبب النعاس الشديد توقفت عند إحدى محطات البنزين وكانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، لأنام ساعة، ومن ثم أكمل بعدها المسير مع ثلاثة أكواب من القهوة. أمي كانت محقة. أشعر أن الله حماني في مواقف متعددة وضعت نفسي فيها بسبب تهوري أو تلقائيتي وثقتي السريعة بالآخرين. السؤال الذي حيرني بعد مكالمة أمي هو: كيف نعرف أن الله يحبنا؟ وما الأسباب لذلك؟ هل كثرة عبادتنا أو حسن تعاملنا مع الآخر أو صفاء نيتنا أسباب لذلك؟ لا أدري؛ لأنني لا أعلم إن كنت أمتلك أياً من هذه بدرجة كافية لأستحق محبة الله، ولكن جملة أمي عادت إلى ذهني أثناء حديث مع صديقتي الأميركية ستيفاني، كنا نتحدث لتفاجئني بمنظور جديد للحياة هزني بعمق من الداخل حد البكاء. وقتها استحضرت كل الأشخاص الرائعين الذين قابلتهم في حياتي، وهم كثر. بعض تلك الشخصيات أقرب إلى شخصيات روايات ديستوفيسكي أو شخوص السينما الوجودية. لا أدري أيرميهم الله في طريقي ليمنح حياتي غنى أم أن هذا هو نصيبي من الحظ في الحياة؟ كل من أثار لقاؤه خيالي جعلني أتساءل: من قال إن الثقافة والوعي نتحصل عليها من خلال الكتب فقط؟ قد يمنحني حديثاً صادقاً مع أحد الغرباء عمقاً لا أجده في الكتب. وأستغرب حقاً من تقديس الكتب ولاسيما كتب الفلسفة والفكر كطريق وحيد للمعرفة. هل جرب أحدكم أن يسأل السبعيني الذي يلتقيه في السوبر ماركت عن سبب طول هذا اليوم؟ أو أن يقول لعجوز: كم جميلة هي تسريحتها. ستجدها تبتسم وكأنها تقول لا يزال في الحياة حياة، ولعلها ستحدثك عن عشاقها أو عن تسريحة الشعر المفضلة لزوجها الراحل. أحاديث عابرة كهذه تمنحني خبرة حياة وفلسفة وجود أجدها أكثر اتساقاً من كتاب فلسفي، أعرف أن مؤلفه مات مجنوناً أو تعيساً. لا أحاول التقليل من قيمة القراءة أو فكر الفلاسفة، ولكن ليسوا هم وحدهم طريق المعرفة. بالعودة إلى الشخصيات التي تقاطعت مسارات حياتهم مع مساري، أتذكر أستاذ الجامعة المصري الذي قابلته في الحافلة بين نيويورك وبوسطن وكم كان نسخة مطابقة لمصطفى حسين، بطل رواية موسم الهجرة للشمال. أتذكر وقتها أنني تساءلت بتعجب: كم أحببت بطل الرواية وكم كرهت مثيله في الواقع بغروره وفضاضته! لينطلق بعد ذلك سيل تساؤلات على شاكلة: كم من بطل روائي أو سينمائي سأكرهه إن صادفت مثيله في الواقع؟ ولماذا نحب الأشرار والفاشلين والمهزومين في الروايات ونكرههم أو نحتقرهم في الواقع؟ ما الذي يشدنا في هذه الشخصيات لدرجة أن نتعاطف معها خيالاً ونرفضها واقعاً؟ أهذا هو مهمة الفن منحنا مساحة للتسامح مع الشر بداخلنا؟ لا أدري. ولكن هذه الأسئلة منحها لقاء وحيد وعابر، وهذا هو جمال اللقاءات العابرة، يفتح باب التساؤلات. في رحلة أخرى التقيت خمسينية أميركية كانت أول سوداء تدخل جامعتها، وهي الآن تُدرِّس في الجامعة نفسها تاريخ السود. فتحت لي باباً لفهم أميركا من عين سوداء. أتذكر كيف استفزتها ملاحظتي حول تجربتي كغريبة هنا والفرق الذي أستشعره بين عنصرية الأميركي الأبيض والأسود تجاهي. لم نتفق، ولكن استمعنا إلى بعض. وعن الإيراني الذي حُوكم بالإعدام في زمن الشاة؛ لأنه شيوعي فهرب سيراً على الأقدام إلى تركيا ومنها إلى أميركا. الغريب أنه شيوعي وهرب إلى أميركا لا روسيا. للأسف نسيت وقتها أن أسأله هذا السؤال. وكيف أن الخميني بعد الثورة جدد حكم الإعدام عليه لذا لم يعد لإيران منذ ذلك الوقت. وكيف أنه حين استقر في أميركا تذكر أن العمر سُرق منه، وهو يناضل ونسي الحب، ليجده مع إيرانية تعارفَا وأحبَّا بعضاً عبر تواصل هاتفي، فقد كانت تقيم في إيران. تزوجا وهو في ٦٢ من عمره وهي في ٤٧. حين رايتهما كان هو في منتصف السبعينات ولا يزال الحب يحلق حولهما. وعن مناضل آخر من أرض الأردن. كان زعيماً لاتحاد الطلبة العرب في أميركا في نهاية الستينات وبداية السبعينات ولا يزال حتى هذا اليوم يقود المظاهرات في الأردن. كنت في زيارة لأخته وأصر كقومي عنيد على مناداتي بابنة الجزيرة العربية بدل السعودية. رفضتُ الاسم على رغم إعجابي به وقلت لا أجد ذاتي فيه. ولكن ولأنه كما القومين النبلاء كان عنيداً، وأصر على مناداتي بالاسم الذي اختاره هو وأصررت على تجاهله. ولمن يبحث عن حديث عابر وعميق تظل الطائرة أفضل مكان لتبادل هكذا حديث مع الغرباء. أتذكر حديثاً لتركي عجوز في رحلة من نيويورك إلى إسطنبول وعن أزمته في ملازمة شعور الغربة بداخلة في أميركا وكذلك في تركيا على رغم أنه يقيم في الولايات المتحدة منذ أكثر من ٥٥ عاماً. أتذكر كيف وجدتني أنفتح معه لأسرد له شريط حياتي. وكيف أنه حين وصلنا إلى إسطنبول ودّعني وقال بحنو: كفي عن العيش بروح الفراشة، ستحترقين يوماً ولا أدري أكانت نصيحه أم نبوءة؟ في رحلة أخرى من جدة إلى واشنطن جلس بجانبي فيليبيني عاش في السعودية ٤ سنوات، ليقول لي إنني أول امرأة سعودية يتحدث معها في حياته وبعدها بدأ يتكلم عن تصوراته عن المرأة السعودية وعن تجربته في العيش في السعودية. ختاماً، القصص وتجارب الأفراد لا تنتهي، ولكن تظل قصة ستيفاني والجندي الأميركي دان هي الأكثر عمقاً، لذا سأخصص لهما مقالتين منفصلتين. * كاتبة سعودية. Hendalsulaiman@ نقلا عن الحياة