زار الرحالة السويدي المعاصر مايكل ستراندبيرغ اليمن وأحبه كثيراً وحرص على إعطاء صورة طيبة عنه على ضوء تجربته الشخصية فيه، وفي رحلته الأخيرة أراد خوض مغامرة قطع صحرائه على جمل دون مساعدة وسيلة نقل أخرى، وبرفقته هذه المرة الصحافية تانيا هولم التي عملت سنوات مراسلة في صنعاء وتتحدث العربية وتُحضّر لكتاب عن اليمن. الوضع الأمني في اليمن وما تتناقله وسائل الإعلام عن وجود مكثف للتنظيمات «الإرهابية»، تجعل فكرة قيام أشخاص غربيين برحلة داخله أمراً غير معقول. وهذا ما أشار إليه ستراندبيرغ في مقدمة البرنامج التلفزيوني عن رحلته وعنوانه «رحلة إلى بلاد اليمن في درجة 52 مئوية»، إذ قال: «كل من سمع بمشروعي قال لي إنك تغامر بحياتك فإن لم تقتل في الصحراء ستختطفك «القاعدة»». لم توقف المخاوف المُحبَين لبلاد اليمن، إذ وصلا في بداية الصيف واتصلا بالجهات المسؤولة لاستحصال موافقة على رحلتهم. كانا يدركان صعوبة الأمر مع وجود مخاوف حقيقية على حياتهما وبخاصة انهما لا يريدان مرافقة أحد غير أدلائهم من «البدو» سكان المناطق الصحراوية. ظل الرحالة يكرر عبارته، أينما حل في صنعاء، ليبرر سبب حماسته: «أريد توثيق حياة الناس الرائعين في الصحراء وأن أتعلم منهم أساليب تكيفهم مع الأجواء المناخية القاسية التي يعيشون فيها باستخدام وسائل تنقلهم ومعيشتهم». تانيا أرادت التقرب أكثر من عالم المرأة البدوية ومعايشته على الطبيعة، واعتبار تجربتها تحدياً لإثبات قدرة المرأة الغربية على تحمل مخاطر الصحراء. خطة رحلتهما كانت قطع صحراء الجوف على ظهر بعير سموه «كينسينغتون»، وصولاً إلى حضرموت، لكنهما غيروها بناء على نصائح السلطات وحرصاً على سلامتهما ليكون مسارها من صنعاء فالغيدان وصولاً إلى محطتهما الأخيرة مدينة رماه. خلال مسيرة طولها 750 كيلومتراً، وسط صحراء تصل حرارتها في الظل إلى أكثر من 50 درجة مئوية، حطا في مضارب كثيرة ولاقيا فيها ترحيباً وكرماً أدهشهما. واكتشفا في أدلائهما وقادة جملهما، الذين كانوا يتبدلون بين مسافة وأخرى، خصال الطيبة والإخلاص والأمان على عكس ما يشاع عنهم وتتناقله الألسن الغريبة من دون معرفة أو تجربة حقيقية. ينقل السويدي عند وصوله إحدى الواحات النائية وسط الصحراء عن الرحالة البريطاني ويلفريد تيسغر وصفاً لأهلها كتبه عام 1946: «هم من أكثر الأصدقاء إخلاصاً وجِداً». في ذيبان غير الموجودة على خرائطهما استقبلهما أهلها، بالترحاب وقدموا لهما الزاد والماء وتسامروا معهما وأمتد الحديث عن السياسة والتغييرات التي يشهدها اليمن والمنطقة العربية وشكوا أحوالهم بسبب الغلاء الفاحش وصعوبة الحصول على الوقود لنقل ما يزرعون إلى المناطق القريبة الأكبر. وفي خيم النساء ستعيش تانيا تجربة نادرة تتعرف إلى جوانب أخرى من المرأة البدوية وأكثرها دهشة نظافتها. إذ طلبن منها أن تبدل ملابسها «الرجالية» بملابس نسائية قُدمت لها مجاناً. «كانت ملابسهن نظيفة وجميلة فهن يعرفن فوائد الشمس الحارقة في التعقيم والتخلص من الأمراض». الشيء الذي ستأسف عليه تانيا كثيراً في هذا المكان هو عدم السماح لها بتصوير النساء ما سيحرمها من فرصة نقل مــشاعرهن الطيبة وخصالهن التضامنية الحلوة على شريط كاميرتها، كما قالت. في إشارات عابرة يلتقط المرء أحكاماً واقعية من السويديين عن أهل الصحراء، فحمل السلاح مثلاً والمنتشر بين أفراد القبائل بشكل عادي تتحكم في استخدامه ضوابط دقيقة ويشهدان على ذلك في تسجيلهما وقائع فض نزاع بين قبيلتين لم تطلق فيه رصاصة واحدة. وعن الحكم السريع على الأشخاص من خلال مظهرهم الخارجي يعترف ستراندبيرغ بحكمه الخاطئ على كثير من الأدلاء في بادئ الأمر من خلال هيئتهم غير المريحة لكنه سيكتشف لاحقاً ومن خلال المعاشرة الطويلة وفي ظروف صعبة خصالاً جيدة فيهم يندر وجودها. وبعد عشرين يوماً من المسير تحت حرارة شمس لا ترحم سيبدآن بالتكيف مع الوضع الاستثنائي ويحل مكان التعب والتذمر إحساس بالألفة مع المكان. وستخرج تانيا بتجربة تبرهن فيها قدرة المرأة على تحمل حر الصحراء ومشاق عبورها على الأقدام فيما عجز رجال آخرون عن المضي إلى نهايتها التي أزفت مع وصولهما إلى مدينة رماه وتسجيلهما برنامجاً طافحاً بحب الصحراء وأهلها.