لنتوقف عـن قرع طبـول الـحرب في سـورية، فـقد كتـبت مقالات عدة منذ بدايات الأزمة هـناك، وكررت فيها أن القـوة هي الديـبلومـاسـية الوحـيدة التي يفـهمـها بـشـار الأسد، ولنجرب المبادرة الروسية الداعية الى تجـريد النظام السوري من أسلحته الكيماوية، في مقابل عدم استهدافه بضربة عسكرية، ليس فقط لأن لا خيار آخر أمام العرب، طالما أن الغرب متردد حيال التدخل العسكري الحاسم، وإنما لأنها قد تكون ضمة الدب الروسي الأخيرة لصاحبه، والتي ستقضي عليه في نهاية المطاف... كيف ذلك؟ يستدعي تجريد النظام السوري من أسلحته الكيماوية بروتوكولاً يحدد مهمات ووقت المفتشين الدوليين وصلاحياتهم، لذلك حاولت فرنسا أن تستصدره من مجلس الأمن ليقضي بمدة زمنية محددة، وتهديد تحت البند السابع بمعاقبة النظام في حال مماطلته، فرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك، فهو في حال نشوة واعتداد بالنفس بعدما بدأ يسمع المحللين السياسيين يتحدثون عن قوته الباهرة، وسطوع نجمه على حساب أوباما المتردد. ولكن في النهاية لا بد من بروتوكول ما يحدد آلية تجريد النظام السوري من الكيماوي، وسيكون التفاوض مع روسيا وليس مع النظام السوري، وهنا إشارة مهمة إلى النهاية المحتومة للنظام الذي فقد ظله، وأصبح قرار بقائه في يد أجنبي بعيد، والأجنبي لا يمكن أن يكون وطنياً متحمساً حتى وإن بدا مدافعاً متحمساً. سورية الأسد أصبحت من الآن فصاعداً مجرد «طابة» في الملعب الروسي لتحقيق نتائج لها. لا بد من أن يقضي البروتوكول بجدول زمني، ثم الاتفاق على تحديد مواقع تخزين الأسلحة الكيماوية وآلياتها ومصانعها والتفتيش عليها، ومن ثم تفكك وتنقل خارج سورية. ستقارن الخرائط والمعلومات الروسية وتلك التي سيقدمها النظام بالمعلومات الدقيقة المتوافرة لدى الأميركيين والفرنسيين، والذين بالطبع سيستعينون بمعلومات الإسرائيليين الدقيقة، فهؤلاء أكثر الناس اهتماماً ومتابعة لبرنامج السلاح الكيماوي منذ أن وضع لبنته مع الإيرانيين الراحل حافظ الأسد، وتوسع فيه ابنه بشار على أساس أنه سلاح الردع والتوازن مع إسرائيل، ولا يزايدن أحد علينا، فلم يبق عند تلك العائلة البائسة ونظامها ردع ولا ممانعة أو مقاومة، فلقد سقطت آخر ورقة توت، بينما كان وزير خارجية النظام وليد المعلم يعلن من موسكو الثلاثاء الماضي بعبارات رتيبة أول استسلام للنظام بالتخلي عن الكيماوي، واستعداده «لكشف مواقع أسلحتنا الكيماوية، ووقف إنتاجها، وعرض هذه المنشآت أمام ممثلين عن روسيا وبلدان أخرى والأمم المتحدة». تلك لحظة استدعت مثيلاً لها عام 1998 وفي حياة حافظ الأسد عندما اعترف للأتراك بوجود زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، وأبعده من سورية بعدما رأى أمامه رتلاً من الدبابات التركية في الجانب التركي من الحدود المتجاورة! يعيش هذا النظام بالقوة وبها يفاوض ويتنازل... ثم يموت، وبالتالي فإن كل من يتحدث عن رفض الضربة الأميركية بزعم حرصه على «الجيش العربي السوري» إنما يبحث عن عذر يبرر عدم رغبته في نصرة الثورة السورية وتطلعاتها نحو الحرية. لقد سقط الجيش السوري ودوره القومي لحظة وجّه بندقيته نحو شعبه. بعد مقارنة الخرائط والمعلومات تبدأ عملية التفتيش، فلا أحد يثق بالنظام السوري ولا بحليفته روسيا، وبالتالي لا يعقل أن توافق الولايات المتحدة بقبول «وضع الأسلحة تحت رقابة روسيا الاتحادية». لا بد من أن تطالب هي وبقية دول العالم الحر، وربما مجلس الأمن بالتخلص التام من الأسلحة الكيماوية ومصانعها وآلياتها، ولكن سورية... كل سورية في حال حرب، إذاً لا بد من الدعوة لوقف إطلاق النار كي يتسنى للمفتشين الدوليين القيام بعملهم، ولكن وقف إطلاق النار بمثابة انتحار للنظام، فالثورة أصلها سلمية، وستعود الى سلميَّتها والتظاهر مطالبة برحيل بشار ومن معه، (وربما يفضلون الآن إعدامه)، وهنا لا بد للروس من أن يُلزموا حليفهم بوقف إطلاق النار، وإلا فستنهار مبادرتهم ويعود الرئيس الأميركي ومن معه من غرب وعرب إلى مربع الضربة العسكرية. أريد أن أتفاءل وأقول إن الأطراف الدولية ستضغط نحو حل سلمي، فالحل العسكري وعلى رغم ترحيب معظم الشعب السوري به ليأسهم من أي إمكان تفاهم مع النظام سيؤدي إلى سفك مزيد من الدماء، ليس بسبب القصف ذاته، وإنما بسبب المعارك بين الثوار والنظام التي ستستعر فور بدء الضربات الدولية، وبالتالي فالأفضل للشعب السوري التوجه إلى جنيف للتفاوض على نقل السلطة وتشكيل حكومة انتقالية، ولكن التجربة تقول غير ذلك، فبشار نظام عربي ملأته الكراهية والحماقة، وقرر أن كل من يعارضه إرهابي يستحق الموت، وبالتالي فلا يُتوقع أن يبادر إلى حل تفاوضي إلا إذا ضغط عليه الروس بعدما باتوا يملكون قراره، أو يتركونه يواجه المصير الذي يستحقه. التحول الأهم الذي حصل الأسبوع الماضي هو أن التفاوض بات يجري مع روسيا، ولم تتواضع هذه وتقبل بالتفاوض لإنقاذ حليفها الصغير إلا بعدما رأت الجدية في أعين الأميركيين. سيتعجل كثيرون ويقولون إن صفقة ما ستعقد بين واشنطن وموسكو لحل الأزمة السورية، ولكن المسافة بعيدة بين بقاء بشار ورحيله، لذلك سيقضي بوتين عليه، إما رضوخاً لضغط المجتمع الدولي، أو لأنه لم يبق شيء يستطيع أن يفعله بعدما استنفد كل ما عنده من سهام. * كاتب سعودي