كم هناك من العجائب والغرائب في طبيعة البشر، ومنها صعوبة فهم عقل الإنسان وكيف يفكر!! فكيف نفهم أن يستميت بعض أعضاء مجلس الشورى في المطالبة بالحد من عمل النساء في القطاع الخاص وتقليص مجالات عمل المرأة بما في ذلك عملها في بيع المستلزمات النسائية، بحجة عدم توفر (بيئة عمل آمنة)، وفي الوقت نفسه يصارعون من أجل الحيلولة دون إصدار نظام يجرم التحرش بالمرأة!! وكيف نفهم أن يكون بين عضوات مجلس الشورى من لا تمانع في الجلوس في قاعة اجتماعات المجلس المختلطة ثم تتبنى رأي زملائها الذين يعترضون على بيئة عمل المرأة في القطاع الخاص بحجة عدم الأمن فيها لوجود الاختلاط!! هنا، لعله من الأفضل أن نذكر أولئك العضوات الفاضلات بقول الرسول عليه الصلاة والسلام (أحب لأخيك ما تحب لنفسك)!! أما إن عجزن عن تطبيق ذلك الهدي الكريم، فما أقل من أن يحببن (لأنفسهن)، ما أحببنه (لأخواتهن)، فيبادرن إلى التخلي عن عملهن في المجلس (ذي البيئة غير الآمنة) لوجود الاختلاط، فينقذن أنفسهن من التعرض للخطر لا سمح الله، خاصة أن الله قد أنعم عليهن بالسعة المادية ولسن في معاناة من ضوائق مالية تضطرهن للتشبث بعملهن والمغامرة بسلامتهن وتعريض أنفسهن للخطورة! حين يقال عن بيئة العمل إنها غير آمنة، فإن أول ما يخطر بالبال، أنها بيئة معرضة لاشتعال الحرائق أو لاستنشاق غاز سام أو لالتقاط عدوى وباء خطير أو أشعة تسبب السرطان أو غير ذلك من الأخطار التي تصيب الإنسان خفية من غير أن يحس بنذرها فلا يتمكن من الإفلات من ضررها، أما أن تكون بيئة العمل غير آمنة لمجرد وجود النساء والرجال يعملون معا في أماكن متقاربة، فإن هذا مما يثير العجب!! ليس لأن عمل النساء والرجال معا في أماكن متقاربة هو الأصل الذي فطرت عليه الحياة وكان معمولا به قبل الإسلام وبعده على السواء، كالعمل في المزارع والرعي والأسواق وميادين القتال وغيرها، ليس هذا فحسب، وإنما لأن الخطر الذي يهدد المرأة -إن وجد- هو من النوع الذي يمكنها إدراكه ومقاومته وتفاديه، خاصة متى تيسرت لها أسباب ذلك كفرض نظام لمكافحة التحرش يحد من صفاقة المتحرشين، ووجود مؤسسات رسمية تقوم بتأديب المعتدي. إن المرأة ليست قاصرا لا تستطيع تبين الخطر متى ظهر، وليست عاجزة عن الذب عن نفسها وقمع من يتحرش بها. سنظل في عذاب وقلق لا ينتهي إن كنا سنبقى لا نرى في المرأة سوى العجز، حتى عن حماية نفسها، فندفع بها إلى خزائن الحفظ المزينة بشرائط المحبة والحماية!!