عند الحديث عن التحالف العالمي ضد داعش وتبعات الأحداث التي افرزتها سياساتها الوحشية التي لا تمت للإسلام بصلة، يجب أن نستذكر الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الأمتين العربية والإسلامية وإلى المجتمع الدولي قبل أكثر من شهرين، وقد أشرت في حينها إلى أهمية مغزى الكلمة السامية للملك عبدالله يحفظه الله حيث تشير بوضوح إلى الأبعاد الخطيرة التي تواجه المنطقة في ظل الجماعات المتطرفة التي تحاول أن تقوض استقرار وأمن الدول والشعوب. وكانت كلمة الملك يحفظه الله ذات مغزى مهم جداً للحالة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط خلال هذه المرحلة الراهنة، ولاسيما ونحن نعيش حالة ذات أبعاد خطيرة على البناء المؤسسي للدول والمجتمعات، وتشكل خطورة على الوضع القائم للمنطقة برمتها، وما تمثله من تداعيات على المستقبل المنظور والبعيد وعلى نسيج اللحمة الوطنية للشعوب والمجتمعات. ويبرز تنظيم داعش كأحد أهم التنظيمات الإرهابية التي أجحفت في حق الإسلام قبل أي شيء آخر وأجحفت في حق شباب المسلمين لتوريطهم في أعمال إجرامية وأعمال إرهابية ضد الإنسانية لم ولن يدعو لها الإسلام في أي مكان وزمان. وما كانت تشير إليه كلمة الملك عبدالله هو أن مثل هذه التنظيمات قد اختطفت الإسلام وحرفت معانيه الصحيحة وضللت شبابه وأدخلتهم في غياهب من الظلم والقتل واستباحة العرض والمال وتشريد الأبرياء وتشتيت الأسر وتدمير المساكن والممتلكات دون حق أو دون أدنى مسئولية، وساهمت هذه الأعمال في إشاعة الفوضى ونشر الخوف وترويج الدمار في العراق وسوريا وفي اتجاه لتصدير هذه الأعمال إلى باقي الدول العربية. وبدأ العالم يدرك مغزى وأبعاد كلمة خادم الحرمين الشريفين ويدرك الحقائق على الأرض وهذا ما شكل تحالفا إقليميا دوليا ضد داعش والجماعات المتطرفة في المنطقة، وخلال الأسابيع الماضية، فقد استصدر مجلس الأمن قراره 2170 القاضي بمحاربة هذا التنظيم سواء في العراق أو سوريا، وأهمية هذا القرار أنه جاء تحت البند السابع وبإجماع من الدول العظمى. وفي إطار التحالف ضد داعش كان قرار الجامعة العربية المنعقد مؤخرا على مستوى وزراء الخارجية العرب إلى محاربة هذا التنظيم وضرورة تفعيل اتفاقيات الدفاع والتعاون المشترك للدفاع عن أي دولة عربية تواجه حروبا من قبل هذا التنظيم. وعلى الصعيد العسكري كان اجتماع منظمة الناتو المنعقد في بريطانيا قد مهد لإمكانية التدخل العسكري ضد قوات داعش وقياداته كما دعم التدخل العسكري الأمريكي بطائراته لضرب مواقع داعش ومنع تقدمه وبالتالي محاصرته، وفي نفس الوقت دعم تسليح البشمركة الكردية والقوات العراقية للدفاع عن المدن والسكان في مناطق نفوذ احتلتها قوات داعش خلال الأشهر الماضية. وهناك أجواء مناسبة لنجاح التحالف الدولي الإقليمي داخل العراق كان من أهمها الضغوط الدولية على القوى السياسية العراقية لتنحي رئيس الوزراء العراقي السابق عن ترشحه للتجديد له، وقد كان هو أحد مسببات ظهور داعش وقوى التطرف في العراق، وما تلا ذلك من تشكيل حكومة العبادي وحصولها على الثقة من البرلمان الجديد، وهذه أجواء إيجابية تساعد على بناء تحالف داخل العراق من كافة القوى المذهبية والعرقية في العراق. ولاشك أن تنحي المالكي عن السلطة كان من أهم الخطوات التي ساعدت وتساعد في إعادة التوافق بين كافة عناصر النسيج الوطني العراقي، وما تلا ذلك تخلي بعض الجماعات السنية وميليشيات الأقاليم عن دعم داعش والدخول في متاهضتها ومحاربتها. إن منطقة الشرق الأوسط مقبلة خلال الأشهر القادمة على أحداث كبيرة ومخاطر جسيمة كانت داعش هي المتسبب الأساسي فيها، وستكون داعش تحت أنظار العالم بل تحت طاولة العقاب الدولي نتيجة الأعمال الوحشية التي ارتكبها مقاتلوها في العراق وسوريا. ولا ننسى أن هذا التنظيم جاء صنيعة استخباراتية إيرانية سورية بهدف تقويض المقاومة السورية للنظام السوري، وكانت داعش تشتبك وتقاتل قوات الجيش الحر بهدف تقويضه والإنهاء عليه ضمن خطة اتفاق مسبقة مع نظام بشار الأسد. ومن المهم في هذا التحالف الدولي الذي بدأ يتشكل أن يأخذ بعين الاعتبار إنهاء نظام بشار الأسد الذي كان ولا يزال يغذي الجماعات الإرهابية في المنطقة، ولا يجب أن تكون أهداف التحالف دحر داعش في العراق وربما سوريا والإبقاء على الوضع القائم في سوريا كما هو عليه الآن. وهذا ما نخشاه فعلا هو أن تكون المشروعات الغربية غير مكتملة دائما، فقد أنهت نظام صدام حسين ولكنها خلقت دولا داخل العراق وفرقت بين أبناء الدولة الواحدة، فلا نريد أن يتكرر هذا السيناريو من قبل هذا التحالف الجديد ويكون هدفه دحر داعش أو حتى الإنهاء عليها وإبقاء النظام السوري يقمع شعبه ويشردهم ويولد الإرهاب ويغذيه، فإن بقي النظام السوري بعد داعش ستكون هناك دواعش أخرى تتأسس من جديد.. وهذا ما نخشاه من هذا التحالف ان لم تشكل الدول العربية ضغطا كبيرا على التحالف العالمي لتحديد الأهداف التي يسعى لها بوضوح..