Follow عندما تستل السعودية بندقيتها وسيفها، فهو بالتأكيد أمر جلل وحدث صاخب لم تعد السعودية قادرة للبقاء معه في زوايا الصبر، ودهاء التمهل، فلا حياء ولا رحمة -يمكن أن يلجأ إليها حتى من أوتي «الحكمة» كلها-، مع إرهابيين ومجرمين يريدون أن يقتلعوا «حُكماً» ووطناً وحياة أمة بأكملها، من أجل أوهامهم وجداول أعمال من يسيِّرهم. خلال أقل من عام، أجرت السعودية مناورة عسكرية ضخمة، ونشرت قوات جيشها وحرسها الوطني على حدودها الشمالية، وأصدرت قانوناً يجرم الإرهاب ويحارب الداعين والمنضمين إليه، ثم بدأت بضربات استباقية لمجموعات وخلايا إرهابية متطرفة. إذاً، لا شك أن السعودية تقول: إن لا صوت يعلو فوق صوت «السيف والبندقية»، ولا سلام مع قتلة مأجورين وسفاحين مرضى يريدون أن يستبيحوا الوطن والعرض والمال والبيوت، كما استباحوها في العراق والشام تحت سمع العالم وبصره. وهي تقول أيضاً إنها لن تستطيع صبراً حتى ترى «داعش» في شوارعها ومدنها، بل ستقتلعهم قبل أن يصلوا إليها، وستحرق أطرافهم الممتدة هنا فكراً وسلوكاً وتنظيماً. السعودية تسير اليوم في حقل ألغام محفوف بالمخاطر الكبرى، وهي التي كانت لتوها قد بدأت بالتعافي من تداعيات تفجيرات الـ11 من سبتمبر، مروراً بحربها على الإرهاب التي تواصلت بتفجيرات مجمعي الحمراء وغرناطة في عام 2003، وانتهاء بتداعيات ما يطلق عليه تجاوزاً «الربيع العربي»، وما تبعه من انهيار جدران كبرى الدول العربية السنية واحدة تلو الأخرى. في أحداث الإرهاب الماضية اختارت المملكة أن تواجه البندقية «بالبندقية مرة وبغصن الزيتون مرات»، فقد رأت أنهم أبناؤها غُرر بهم، ولم توغل يدها في الموت، بل كانت تجري الجراحة تلو الأخرى، متخففةً من الدماء، ومتحاشية أن تأخذ بالظن والجريرة. ألم يعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، عندما كان ولياً للعهد «حينها»، أكثر من مرة عن فرصة ومهلة للمقاتلين والمطاردين بالعودة عن طريق الإرهاب الذي اختاروه مع ضمان سلامتهم. اليوم تعلن «الداخلية» السعودية القبض على 88 متهماً بتشكيل خلايا إرهابية، تتضمن 10 خلايا تتبنى الفكر الضال وتؤيده وتمجِّد الأعمال الإرهابية، وغالبيتهم على تواصل مع عناصر التنظيمات الإرهابية خارج المملكة. فماذا يعني أن تستل «الداخلية» السعودية «سيفها» بعد أن أغمدته سنوات؟ هو يعني بالتأكيد أن «الحليم» غضب، وأنه ما عاد تنطلي عليه خدع التوبة، والتحايل على المناصحة، وهو يؤكد أن اليوم غير أمس، بل إن أمس انتهى وولّى إلى غير رجعة، وأن ما كان مسموحاً به ويُتغافل عنه «دهاءً»، لم يعد مقبولاً، ولن يكون مسموحاً به أبداً. وهو أمر لا يقف عند حدود من يحمل البندقية في وجه وطنه فقط، بل لكل من يحمل الفكر الضال ومن يموِّله ويدافع عنه ويروِّج له، إنه زمن ذو طريقين فقط، فإما العداء للوطن أو البقاء بصفه. وفي خضم ذلك كله يبدو أن الأمر الأكثر دهشةً أن جماعات الحركيين والإخوان الإرهابيين الذي حاولوا طوال سنين أن يُعدوا السعوديين ليوم «موعود» للانضمام لعملياتهم الاحتجاجية والإرهابية وتحويلهم لحاضن يستوعبهم ويمدهم بماله ورجاله، هم من يقفون ضدهم اليوم، وهم من يساند «الداخلية» في الإبلاغ وتقديم المعلومات عن الإرهاب والإرهابيين. وكأنّ السعوديين الذين يقفون على حافة «الخطر»، ينظرون إلى جوارهم وما جرته ويلات الإرهاب والانقسام، وإلى خلفهم وماضيهم، إلى تلك القرون السحيقة من الجوع والتشريد والتيه والتفكك، في صحراء وقرى فقيرة تركوها لتوهم، وما عادوا يرغبون في العودة إليها أبداً. الحياة