×
محافظة المنطقة الشرقية

الأحساء: طوابير المركبات تمتد 3 كيلو مترات بانتظار عبور «القطار»

صورة الخبر

بقي صوته يحتفظ بكل أوراق الزمن الجميل الذي لم يعد موجوداً سوى فيه يأتي ليحمل معه عفوية روح، وبساطة شاعر، وصدق قلب مازال رغم كل شيء يحب أن يبتسم ويعطي.. من لديه القدرة أن يكون بكل تلك التلقائية وبشيء من الوخز والحذر، من له وقار الحرف وحشمة الأدب.. ثم طيبة قلب كطيبة قلب "حسن السبع" الذي في كل مرة أجده لايغلق بابه أبداً، يعطي ويخجل أن يقول "لا" حتى حينما يتطلب ذلك سرقة مالديه من مهام.. أنه ذاك.. الرجل الذي يستحق أن يقال عنه "الأبيض".. أبيض بكل ذلك القدر من الإشباع للإنسان، بكل ذاك القدر من الشعور بالسلام الذي يحمله صوته، وتحتويه عينيه التي مازالت ترقب الحياة.. وهي لا تعلم ماذا تخفي من نوافذ مفتوحة على أقداره. حسن السبع.. ضحك لي ضحكة طفل مازال يدس يديه في الطين والماء ليصنع بيوتا لأحلامه ليقول لي "لا أعرف كيف سأخوض هذه الأسئلة.. لم يسبق لي أن طرحت على نفسي كل هذه الاستفهامات المباغتة.. ربما تمنحيني فرصة لأكتشف فيها مالا أعرفه عن نفسي".. وقفت أنتظر مفاجآت "السبع" التي سيدسها لي على المكشوف.. ليأتي إلي من خلال الاعتراف فيقول "حكاياتي كثيرة.. ولكنني لا أستطيع أن أكتب بيد مرتجفة، ثم يتأمل وجه تلك الحياة الماضية من عمره ليتذكر بأنه رغم الامتحان الصعب الذي مر به إلا أنه فضل أن يبقى إنساناً غير مفقود، وبأن يقبض على اللحظات بالكتابة حتى لاتهرب.. وبرغم كل الأوجاع والمرارة التي قابلته في منتصف الطريق إلا أنه يصر بأن لايدر ظهره لقلبه.. يصمت قليلاً.. ليضع يده على قلبه.. يتحسس نبضة ثم يقول لي: " لم يبق من السنوات الماضية سوى صدى اسمي.. يوماً ما. سينقطع رنين المنبه صباحاً وإذا تأكد من إنطفاء عيني سيتوقف.. ولكن الضجيج سيستمر خارجاً! حسن السبع عبر صفحة على المكشوف "يبوح بنصف الحقيقة ويخفي نصف الشعور.. يشاكس فاتنته المفخخة التي تأتيه بخصر تطوقه بعقد الياسمين لتسرق قلبه بسحرها. يتألم، ولكنه يصر بأنه دائما سيكون إنساناً، يعترف بأنه عاش وهناك من أساء فهمه ولكنه يرفض أي طعنه تأتي إليه أي كانت وجهتها.. حسن السبع يبوح ويتعرف على "حسن" الذي بداخله ويلتقيه - هنا- للمرة الأولى ليقول له " لاتدر ظهرك.. وترحل! تضطر أحياناً أن تتنازل عن أحلامك حتى لاتتعس الآخرين! حكاية واحدة * لا شيء أكثر وجعاً من أصوات تطمسها بداخلك حينما تخرج عليك في وحدتك لتوقظ بك صوراً قديمة، تجارب مؤلمة، شوارع وأرصفة ووجوها وعابري طريق.. وبعضاً من الحكايات التي هربت منها سنين طويلة ولكنها مازالت حية بقلبك.. ماذا تذكر من حكاياتك القديمة التي بقيت حية بداخلك؟ أي الأوجاع التي ترافقها.. وأية ابتسامة أعادتك منها؟ - سؤالك هذا يعيدني إلى شذرة من شذرات ديواني (حديقة الزمن الآتي) تقول: "حرائقي التي حاول النسيان إخمادها في سنوات، أشعلها الحنين في لحظة واحدة. أيها النسيان ما أبطأك"! نحنُّ إلى الماضي بحرائقه وأوجاعه ومكابداته ربما لمعرفتنا أنه لن يعود، وأنه قد أصبح مجرد ذكرى عابرة. الحكايات كثيرة، لكن ودون تحديد حكاية بعينها يتمنى أحدنا أحيانا أن يعود صغيرا لتصحيح بعض مسارات حياته. لكن العودة إلى الماضي متعذرة، وهنالك عبارة لفاسلاف هافل تقول: "جائز أن تبتدئ بطريقة أخرى، ولكن سوف تنتهي إلى النهاية نفسها"! سوء فهم * يقول إبراهيم الكوني: "ما أبشع المخلوق عندما يخلو قلبه من الهم! الحزن وحده يزرع القبس الإلهي في القلب".. متى آخر مره كنت فيها كائنَ حزن؟ من الذي أحزنك حد التوحد والدموع؟ وماذا تكتب حينما تحزن؟ - سأضيف إلى ما قاله إبراهيم الكوني قولاً آخر عن ذلك الهم يسميه الكاتب اليوناني كازنتزاكي "المعاناة" فيقول: "المعاناة هي المرشد الأعظم في ذلك الصعود الذي يقود من الحيوان إلى الإنسان"، إلا أنه لا توجد في رحلة الحزن "أول وآخر مرة". أما أشد ما يحزنني فهو سوء الفهم. أن يسيء فهمك (الأبعد) فهذا أمر اعتيادي ومتوقع. أما أن يسيء فهمك الصديق اللصيق فذلك شيء محزن. محزن أن ينهار في لحظة واحدة بناء حرصت على بنائه سنين طويلة. لا أتهيأ للكتابة وأنا في ذروة الحزن أو الفرح. لا أستطيع أن أكتب بيد مرتجفة، أيا كان سبب ذلك الارتجاف أو مصدره. لابد أن أكون في منطقة وسطى بين هذا وذاك، أو في حالة هي مزيج من الاثنين: مسحة شفافة من الفرح ممزوجة بشيء من الحزن، لعلها لحظة الحنين إلى شيء ما حسي أو معنوي. شيء ما يكاد يفلت من بين أيدينا، ونحاول اصطياده أو استعادته بالكلمات. شهية هي الخديعة حينما تمنحنا وهماً جميلاً إنسان مفقود * الحياة امتحان عظيم يضعنا في مسالك لا نتوقعها.. في الامتحان إما أن نتكلم بصوت عال أو نصمت لنقاوم شراسة المفاجأة.. كل حياة دون امتحان ليست حياة.. ما هو الامتحان الحياتي الذي دخلته إنسانا كاملا وخرجت منه مفقودا؟ - نعم، الامتحان هو أن ندخل "المصْهَر" فإما أن نخرج منه متفحمين أو نلمع مثل سبائك الذهب. أصعب الامتحانات التي واجهتها كان عبارة عن خيارين لا ثالث لهما. إما أن أخسر نفسي، وأكسب العالم، أو العكس. لكني وبتعبير سؤالكم خشيت أن أخرج من الامتحان "مفقودا" أو بقية إنسان. نعم كنت أستعين بالصمت أحيانا حين يتعذر علي أن أقول كلاما واضحا. الامتحان يزداد صعوبة حين تكون كاتباً وفياً لقيم الجمال. فإذا أذعنت إذعانا صغيرا واحدا سوف يليه إذعان آخر.. وهكذا. ذاكرة من ورق * كتب أمجد ناصر (الحنين يضخم الأشياء. الذاكرة تحتفظ بنكهات وروائح وصور من صنعها، أو ليست كما كانت عليه في الواقع) أمنحك الحنين وهما كبيرا للأشياء ثم اكتشفت بأنك وقعت في مصيدة الخديعة؟ ماذا بقي في ذاكرتك من روائح وصور؟ -حتى الخديعة تصبح أخف وطأة إذا شكلت ذات يوم لحظات جميلة. ثم تصغر بعد أن تصبح ماضيا. نعم لا تخلو الحياة من وهم ما. لكن ألم يقل الشاعر في التعبير عن ذلك الوهم: "مُنىً إنْ تكنْ حقا تكنْ أجملَ المنى.. وإلا فقد عشنا بها زمناً رَغْدا"! ذاكرتي مستودع كبير لكثير من الألوان والنكهات والروائح والصور. خشيت أن تتلاشى فصنعت لي ذاكرة أخرى من ورق. قبضت على بعض تلك اللحظات. نفضت عنها الغبار، لمّعتها، ورميتها في "حوض الكلمات"! أشد ما يحزنني سوء الفهم.. محزن أن ينهار في لحظة واحدة بناء السنين صدى اسم * في الأعياد كل شيء يصبح وردياً يشاكس فينا الطفولة، تأتي الأعياد وتمضي ونحن مرهونون بزمن يغيرنا ولكنه لا يطال طفولتنا الجميلة.. ماذا تفعل بك الأعياد حينما تأتي؟ أتحب أن تغني فيها؟ أم أنك تعاتبها لأنها لم تعط الطفل الذي بداخلك نصيبه من الحلوى والفرح؟ - أعاتبها، وأتساءل مع الشاعر أمل دنقل وقد تأمل صورته وهو صبي صغير فقال: "أَوَ كان الصبي الصغير أنا أم ترى كان غيري.. أحدق.. لكن تلك الملامح ذات العذوبة لا تنتمي الآن لي.. صرت عني غريبا.. ولم يتبق من السنوات الغريبة إلا صدى اسمي". تلك بكائية على مرحلة الطفولة المسكونة بالدهشة. ذلك الانسياب العفوي البريء الذي يختزن عنفوان البدايات قبل أن تحل العادة مكان الدهشة. وتفتر العلاقات، وتفقد الأشياء حرارتها ونضارتها. مع ذلك مازلت أحتفظ ببقايا طفولة تفرحها الأشياء الصغيرة، ولها أعيادها المجازية وزهوها الخاص وأهازيجها وحلوياتها وبالوناتها. لكل واحد منا قرين، وقريني مازال طفلا. خذلان المواسم * ثمة عمر جميل لا نعيشه إلا حينما نصغي إلى القلب.. حينما نضمه إلينا ونضعه في الحجر لنهدهد فيه ما يحب وما يتمنى، نصغر به ونكبر معه.. نبكي من أجله ونصمد ليبقى هو.. ماذا يقول لك قلبك؟ أتضبط ساعات عمرك على دقاته ؟ أم أنك أدرت ظهرك عنه منذ زمن طويل؟ - لو أدرت ظهري لنداء القلب لهجرني شيطان الشعر. فبين نبضات القلب وإيقاعات القصيدة علاقة مشتركة. هو ينبوع الحب، والعين التي نرى من خلالها الكون، والنافذة المطلة على دنيا الأحلام. و.. "أسوأ السجون قلب مغلق"! ربما تخذلنا المواسم أحيانا، لكن هذا ليس مبررا كافيا كي "ندير له الظهر". وقد عبرت عن هذا المعنى في إحدى الشذرات بالقول"إذا خذلتك المواسم فلا تمنح بذور قلبك للريح.. هنالك دائما تربة أخرى تنتظر.. هنالك دائما مواسم أخرى واعدة". أصعب اللحظات حينما تتعطل اللغة بين اثنين فأفقد صوتي وتفقد سمعك صباح الذاكرة * في كل مرة أفتح عيني صباحاً أشعر بذاكرة شرسة تنقض علي، تلتهمني كقط أنقض على سمكه تنتفض، ذاكرة تأتي بأقصى شيء رميته بأعماقي حتى لا أتذكره.. لا أعرف لماذا كل هذا التآمر فإما أن أنقرض بأوجاعي أو أبرد بخيباتي وخسائري.. كيف هي ذاكرتك الصباحية. حينما تفتح عينيك في كل صباح ما هو أول شيء يباغت ذاكرتك؟ هل تطرد صباحاتك بالصمت أم أنك كائن ليس له مع الصباحات عهود ووعود؟ - أحب صفاء الصباح الباكر. ومساحةَ التأمل التي يمنحني إياها. التأمل لغة صاخبة مضبوطة على (الصامت). الصباح بعث جديد، بداية حياة، ونافذة على الأمل والتفاؤل. خروج من نفق الموت الأصغر. سؤالك يذكرني بقصيدة (المنبه) للشاعرة البلغارية (اليسافيتا باغريانا) التي تقول: "هكذا هو دائما يوقظني، لأرى في الخارج غصنا مزهرا. أو ثلجا سميكا. أو أوراقا خريفية متناثرة. ولأسمع من خلف الجدار صوت ركض الأطفال، وصراخهم (..) بيد أنه في صباح ما. في يوم بعيد أو قريب. سوف يحاول هذا المنبه إيقاظي دون جدوى. وسوف يقطع رنينه إذ يتأكد من انطفاء عيني! لكن الضجيج سوف يستمر في الخارج، لأن الحياة سوف تستمر"! كمين الكلام * يقول جان كوكتو "ينبغي للإنسان الذي يريد أن يعيش، أن يقول نصف الحقيقة ويخفي نصف الشعور" أتعيش بنصف الحقيقة أو بكاملها؟ ومتى تحب أن تخفي نصف ما تشعر به؟ خشيت أن أخرج من ذلك «المصهر» بقية إنسان - في كل عبارة ننطقها مصيدة تتربص أو كمين يتأهب للانقضاض. إن اللغة، والحال هذه، دفق من الأقنعة والرموز الملتوية الغامضة. لذلك يتمنى أحد الشعراء أن يعثر على الاسم الدقيق للأشياء حتى تكون كلمته هي الشيء نفسه، ولا شيء سواه، وحتى لا تتحول اللغة من وسيلة إيضاح وجسر للتفاهم إلى قناع يعيق الرؤية الصحيحة، ويرخي إسدال العتمة، أو يسد طرق التواصل. هل أعيش بنصف الحقيقة؟ يقول أحد المفكرين: "أعطي الإنسان النطق ليخفي أفكاره"! وقد عبرت عن هذا المعنى في قصيدة عنوانها "نصف الضجيج" ومنها: "عبثَ الخريفُ بكلِّ أوراقِ الطفولةِ/ من تخضُّ دمي، وتبتدئُ اصطخابَهْ/ من تستفزُّ تدفقَ العشرين في قلمي/ فأشطبُ حكمةَ الموتى وأستدعي قرنفلةَ الكتابةْ/ يصطادني نصفُ اقترابكِ كلما رفَّ الذي في القلبِ أجَّلت انسكابَهْ/ لأغيبَ في نصفِ الضجيجِ/ وفي كلامٍ ناشبٍ في الحلقِ.. في نصف الكتابةْ"! ها أنت ترين كيف أتمترس وراء المجاز كي أعيش، عملا باقتراح جان كوكتو. خسران الأحلام * ندفع ثمن خسارتنا.. ما اقترفناه وما لم نقترفه.. نعيش بذلك القدر من الغياب الذي نفرضه علينا لأننا نخشى أن يأتي من يمارس علينا عقابه.. أعاقبت يوما نفسك على أفعال اقترفتها فاكتشفت بأنك ظلمت فيها نفسك؟ كيف هو شكل العقاب الذي تختاره؟ - أخطاؤنا هي الحقائق الوحيدة التي (قد) لا نجد من يجادلنا فيها. وعلى طريقة جان كوكتو الذي استشهدتِ بعبارته في السؤال السابق سأقول "نصف الحقيقة، وأخفي نصف الشعور". الظلم هو أن تعاقب نفسك على أشياء لم تقترفها؛ أن تحمل أوزار غيرك، الضريبة التي لابد أن تدفعها إذا أردت أن تكون إنسانا. أن تبدو ضعيفا وأنت في ذروة تمكنك وقوتك، فتتنازل عن رغباتك وأحلامك التي قد تسبب تعاسة للآخر. الفاتنة المفخخة * كتبت أحلام مستغانمي (أي امرأة فيك هي التي أوقعتني؟ لم تكوني امرأة.. كنت مدينة. مدينة بنساء متناقضات. مختلفات في أعمارهن وفي ملامحهن. في ثيابهن وفي عطرهن. في خجلهن وفي جرأتهن.. نساء من جيل أمي إلى أيامك أنت. نساء كلهن أنت".. أدخلت يوما مدينة واكتشفت متأخرا بأنها امرأة حب؟ كيف هي مدينتك؟ كيف هو شكل أحلامك في الحياة؟ حينما تحلم تبقي عيونك مفتوحة أم أنك تحب أن تغلقها عن الواقع حتى لا ينقص منها شيء؟ -سؤال يغري بالحديث عن المكان أولا، بيتا كان أو مدينة. عن المدينة/ البيت. فنحن لا نحنّ إلى الأماكن لأبعادها الهندسية، أو لأبهتها وفخامتها، وما تحويه من سبل الرفاهية، وإنما لدوافع أخرى. المكان بمن فيه، وليس بما فيه. ولا معنى للمكان بعيدا عن الإنسان الذي يضيء المكانَ بوجوده؟ يقول هولمز: "حيثُما نُحِبْ يَكُنْ بيتنا، إنه بيت تبارحه أقدامُنا، وتبقى فيه قلوبُنا". نعم، بدون ذلك الحب يصبح المكان منفياً وليس بيتا أو مدينة. بقي الشق الآخر المتعلق بالأحلام. ليس بالضرورة أن أغلق العين هربا من صلابة الواقع. لأن الأحلام تستشرف بعين الروح. وبعين الأدب السحرية حيث يمكن للأشياء العادية والصغيرة واليومية أن تتحول إلى لآلئ ساطعة. هكذا ألج بوابة النص الشعري ممتطياً صهوة الحلم، أبحث عن ياسمين المدارات الأخرى، الأريج العابر للقارات، لغة لا تحتاج إلى ترجمان. أبحث عن فراشات زاهية تنسج خيوط البهجة. عن فاتنة تفخّخ خصرها بطوق من الياسمين. وتشن عيونها غاراتها الصاعقة فتخرُّ لسحرها الأفئدة. اتجاه الطعنات * كيف تتصرف مع نذالة من وثقت بهم يوما ومنحتهم طهر قلبك وفضاءاته ؟ أتحب الطعنات التي تأتيك من الظهر أم من الصدر؟ - لا أحب الغدر من أي اتجاه جاء، لكني أتمثل أحيانا ببيت النابغة الذبياني القائل: "ولستَ بمستبقٍ أخاً لا تلمُّهُ على شَعَثٍ أيّ الرجالِ المهذَّبُ". أو بقول بشار بن برد: "إذا أنتَ لمْ تشربْ مِراراً على القذى ظَمِئْتَ وأيّ الناس تصفو مشاربه"! لغة معطلة * هناك من يعود إلينا بعد طول غياب.. لكنه في الحقيقة وحتى بعد أن نلتقي به.. لا يصل! كم عائد إليك فرحت بعودته ثم اكتشفت بأنه لم يصل في الحقيقة؟ - حدث ذلك مراراً. وما أقسى أن يصبح الحضور غياباً. تلك حالة من حالات (السأم) الناجم عن فقدان الصلة الودية بالأشياء والأشخاص. إن الاتحاد بالأشياء والأشخاص والتواصل معها يعني حبنا إياها، والحب مرهون بالمعنى، المعنى الذي يولد الدهشة. أما أعتم اللحظات فهي تلك التي تتعطل فيها اللغة بين اثنين. أفقد صوتي وتفقد سمعك، والعكس صحيح. ندخل في نفق الصمت المظلم، أو نكتفي باجترار كلمات مقتضبة من قاموس الاحتياجات اليومية. ألا يعتبر السأم، تأسيسا على ذلك، أحد فيروسات العلاقات الإنسانية؟ تآمر المكان * نسافر بحقائب نحملها مسؤولية كل ما تحمله قلوبنا وأرواحنا، نشبعها أياماً ماضية ووجوهاً قديمة وبعض ثياب الآمال التي سئمت منا لفرط ما ارتديناها.. بماذا تحب أن تسافر؟ بحقائب مزدحمة بك أو بفارغة من أوجاعك؟ وما الذي تأتي به معك من رحلة سفر؟ - أعود من بعض الرحلات مثقلاً ببيت امرئ القيس: "لقد طوَّفتُ في الآفاقِ حتَّى رضيتُ من الغنيمةِ بالإيابِ"! سألجأ للشعر كي أجيب عن سؤالك هذا.. سأستعين بأحد نصوصي فأقول "وحَزَمْنا حقائِبَنا لِنُسافرْ/ ربما يختفي لهاثُ الصَّحارَى وتنبتُ جنَّاتُ عَدْنٍ ونحن نسافرْ. وطَوَيْنَا المسافاتِ، جُبْنَا وعودَ الجهاتِ ولكنَّنا لمْ نُغادِرْ. لمْ تزلْ وحشةُ المكانِ بنا تَتآمَرْ. والأماني العصيَّاتُ مِنْ حوْلِنا تتكسَّر. قدْ حَلَلْنَا مكاناً قصيَّاً ولكنَّنا بَعْدُ لمْ نتغيَّرْ. لو عَبَرْنا حريرَ المكانِ إلى لحظةٍ مِنْ حريرٍ، ثمَّ أَزَلْنا الرَّمادَ الذي تَرَاكَمَ في القلبِ، لصارَ المكانُ القديمُ أَزْهىَ وأَنْضرْ!". حمام البيت * لكل بيت "حَمَام" يغني فيه هديل فرح، يقف على سطوحه ويطير في فضاءاته.. يلتقط الحَبَّ بمنقاره ثم يبتلعها بعد أن يمشي بزهو وأناقة.. من هو حمام بيتك؟ وماذا تغني له؟ - ما أكثر حمام بيتي! الأسرة بكل أفرادها. بعض الأقارب. بعض الأصدقاء. فالحياة بدونهم صحراء قاحلة. سقف التوقعات * نشم رائحة نتنة.. نشم في بعض الأصوات غدرا. وفي بعض الوجوه خيانة.. نشم رائحة الخرائب مع من وثقنا بهم وربما كنا طيبين معهم.. أتملك قدرة التخلص من روائح القلوب النتنة ؟ أم أن طيبة قلبك تسمو بك حتى مع من غدر بك يوما؟ - في العلاقة بالآخرين فإن الحكماء وحدهم لا يؤخذون كثيرا بحماسة البدايات أو اندفاعاتها الأولى. كما أنهم لا يرفعون سقف توقعاتهم كثيرا، فالثابت أنه كلما قلَّت توقعات المرء، قلَّت صدماته. وخيبات ظنه. إلا أنه لابد من المجازفة في أحيان كثيرة، وعلاقاتنا الإنسانية تستحق تلك المجازفة! لست شجاعاً * ما هو السر الذي لم تقله يوماً لأحد؟ - لست شجاعاً بما يكفي لمقاربة أدب الاعتراف.