وردت العبارة المقتبسة التالية على لسان إحدى شخصيات الكاتب الروسي نابوكوف حول العملية التربوية: «إنك تقول إن كل ما تتوقع أن تحصل عليه الطفلة من المدرسة هو التعليم الجيد، لكن ماذا تقصد بالتعليم؟ في الماضي كان يعني بشكل رئيس ظاهرة شفوية. أعني أنه بوسعك أن تجعل طفلا يحفظ موسوعة عن ظهر قلب.. إننا لا نعيش في عالم الأفكار فقط.. فلا معنى للكلمات من دون تجربة». ولا معنى للكلمات التي تُحشى بها رؤوس الصغار، إذا لم تكن منتجة، أو كانت من لزوم ما لا يلزم. وتزداد قناعتي بفشل الأنظمة التربوية الجامدة كلما سمعت محاضرا، أو قرأت لكاتب لم يتجاوز دائرة تحصيله العلمي الضيقة إلى فضاء معرفي أوسع. فالشهادة ليست سوى الخطوة الأولى على درب المعرفة. يشبه هذا النموذج من المتعلمين جنديا في منطقة نائية لا يبرح خندقه، لأنه لا يعرف أن الحرب قد انتهت. (هذه لقطة من مشهد كوميدي تعبر عن شخص منفصل عن زمانه). أما هنري آدمز فيرى أن علينا أن نخضع ما تعلمناه للمساءلة، وأن ننسى بعضه وخصوصا «ذلك الكم الهائل من الجهل الذي تراكم في صيغة حقائق ثابتة»! تناقض تلك الحالة من الجمود هدف العملية التربوية الأول، وهو إعداد شخص قادر على تثقيف نفسه بنفسه مدى الحياة. لذلك فإن الأمي ليس هو الشخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة فحسب، بل هو الشخص الذي لا يعرف كيف يتعلم. «علينا أن ننسى بعض ما تعلمناه»! قد لا يعجب هذا الاقتراح المتعلق بالنسيان أولئك الذين لا يستطيعون التنفس خارج فضاء التلقين والحفظ؛ أولئك الذين يبحثون عن معلومة أو فكرة جاهزة ليجتروها بقية حياتهم، وليورثوها لمن يأتي بعدهم. التكرار والاجترار ليست مهمة صعبة. تلك هي وظيفة الببغاء يؤديها بإتقان، لكنه لا يضيف شيئا يتجاوز حدود ذلك التلقين. كلام فصيح ومتقن لكنه صدى لما يقوله الآخرون. وليس أغبى من صدى، كما يقال. وليس أخطر من أن يكون المرء صدى لغيره. مكمن الخطورة أن هنالك من يراهن على أسر عقول الناشئة، وبرمجتها لصالح أجندات خاصة. ثم يعاد إغلاقها بإحكام شديد كي لا تتسلل إليها نسمة تفكير مختلفة عن تلك الأفكار التي ينبغي أن تستخدم قفازا عند تناولها. ثم يُطلب من المغرر به أن لا يسأل ولا يناقش ولا يجادل.. وإلى آخر قائمة (اللاءات) التي تفقد المرء حريته، وتغلق في وجهه أبواب المعرفة والإبداع والابتكار. يتهكم أحدهم فيصف فترة التعليم بأنها المرحلة التي تعلم فيها على يد شخص لا يعرفه أشياءَ لم يكن يرغب في تعلمها». وعن أساليب التلقين البائسة تقول ماري بيتيمبون «لِتكرارِ واجترارِ ما يقوله الآخرون يتطلب ذلك تعليما. ولِنَقضِ أو تحدي تلك الأقوال يتطلب ذلك عقولا». وهذا هو بالضبط ما يستدعي اختيار أساليب تعليمية تحث العقول على التفكير، وتنمي فيها الحس النقدي، وتضعها في دائرة الإبداع والابتكار بدلا من التكرار والاجترار, نحن بحاجة إلى نظام تربوي لا يوهمنا بأنَّا «خيرُ من ركبَ المطايا» أو السيارات، بل يربي النشء الجديد على التمسك بالقيم الجميلة المشتركة بين البشر كافة، وإتقان فن العيش والتعايش، وحب الحياة، وتقبل العالم بكل ما فيه من تنوع جميل.