الدمام محمد المرزوق أرجع مشاركون في أمسية فنية انحدار مستوى الأغنية الشعبية والطربية في دول الخليج العربية إلى عدة أسباب منها تحوُّل الجامعات والمدارس من حاضنة لها إلى طاردة، إضافة إلى عدم وجود معاهد موسيقية وغياب الباحثين الموسيقيين، وتحوُّل الأغنية من حالة شعبية مشبعة بقيم وأخلاق المجتمع، إلى سلعة تجارية. الأمسية التي احتضنها المنتدى الثقافي في فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، أقيمت مساء أمس الأول، تحت عنوان «تأثير الأغنية أيام زمان على صياغة ذوق المجتمع الخليجي»، وشارك فيها الشاعر البحريني علي الشرقاوي، والناقد الدكتور سمير الضامر، والموسيقار سلمان جهام، وأدارها القاص هاني الحجي. ورأى الضامر أن مستوى الأغنية شهد انحداراً عما كان عليه في وقت سابق، متسائلاً: كيف تحوَّلت الأغنية من الطبيعة إلى الثقافة؟ وكيف كانت إنسانية وأصبحت رأسمالية؟ مضيفاً أنها كانت ملاذاً تحتفي بالقيم والأخلاق، إلا أنها تحوَّلت إلى داعية للمجون. وقسَّم الضامر الأغنية في الخليج إلى ثلاث مراحل، أولاها المأسسة الشعبية، موضحاً أنها تعود إلى 300 عام، وشكَّلت تعبيراً للنظام الاجتماعي في القيم والعادات والأخلاق، وكان لها حضور شعبي، وتُعد فناً جماعياً، فضلاً عن أنها كانت تحتوي الإنسان الخليجي، وتحمل في طياتها أساطيره ومعتقداته القديمة، إضافة إلى ارتباطها بشخصياتهم وحرفهم وأعمالهم. وأطلق على المرحلة الثانية «مرحلة الدولة وتوظيف الأغنية الشعبية». وقال: بعد استقلال دول خليجية، شهدت نهضة طالت كل المجالات، بما فيها الفنون الشعبية، موضحاً أن تلك الفترة شهدت توثيق نحو 20% من الأغنية الشعبية، كما أرسلت الكويت فنانين إلى مصر لدراسة الموسيقى أكاديمياً، لتستفيد منهم في المحافظة على التراث الغنائي الخليجي. وبيَّن أن هذه المرحلة شهدت توظيف الدولة التراث الغنائي في توجيه ذائقة المجتمع، كما فرضت رقيباً إعلامياً، إلا أن دوره مهم في ضمان خروج الأغنية بمعايير ذوقية تراعي المجتمع وأصالة الفنون تراثياً. ويشير إلى أنه في هذه المرحلة كانت الأغنية حاضرة في المدارس والجامعات، فيما هي الآن طاردة لكل الفنون. وقال إن المرحلة الثالثة تتمثل في «التجريب والانفتاح»، ويحدد انطلاقتها بعام 1400هـ، وتم فيها خروج الأغنية عن النظام الإنساني. وتطرَّق الشاعر البحريني علي الشرقاوي إلى وضع الأغنية في منتصف الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وكيف أثرت في جيله، ملخصاً الأغنية في أنها «كلمة، ولحن، وأداء». وذكر أن الأغنية تركت أثراً في الوجدان الوطني، من خلال الأناشيد المدرسية، وأسهمت في إدخال القومية العربية وقوتها. وأشار إلى تأثير الأغنية من الناحية العاطفية، فضلاً عن اعتبار بعضها محرضاً على قيم اجتماعية، ما أدى إلى منع بث بعضها في الإذاعة، إضافة إلى تأثير الأغاني في سلوك الشباب من حيث اللباس والذوق، ضارباً مثلاً بـ»فرقة البيتلز». من جانبه، قال الموسيقار سلمان جهام، إن الأغنية تركت آثاراً في «الوطنية»، مرجعاً تأثيرها إلى بداية القرن الماضي وحتى عام 1973م، موضحاً أنها ملكت قدرة على تجييش مشاعر الشعب العربي بما احتوته من تمجيد للوطن والأرض، كما شهدت حقبة الثورات العربية في الخمسينيات تراكماً للأغنية الوطنية، وتحوَّلت في الثمانينيات إلى اتجاه المقاومة. وأوضح جهام أن الأغنية الخليجية لم تملك شخصية مستقلة، وإنما تأثرت بأربع حضارات: الفارسية والعدنية والعراقية والمصرية، لافتاً إلى أنها استطاعت في الستينيات صنع شخصيتها لكن بتأثير من العراقي والعدني والمصري. ورأى أن وضع الأغنية الآن عبارة عن سلعة تجارية وليست فناً وذوقاً، مبيناً أن أحد أسباب انهيار الأغنية غياب معاهد الموسيقى والباحثين الموسيقيين. وقال إنه في السنوات العشرين الأخيرة لا يوجد نموذج يمكن التمسك به والعودة إليه.