فاجأ تنظيم «داعش» اللبنانيين والعالم عصر أمس، بعمل وحشي وهمجي آخر، بإعدام أحد الجنود المحتجزين لديه، عباس مدلج، وبتوزيع صور عملية ذبحه بإظهار رأسه مقطوعاً وقد ثُبت على صدره، مساء، على أحد حسابات التنظيم على «تويتر». وذيّل إعلان «الدولة الإسلامية» عن الجريمة الثانية في حق العسكريين المحتجزين لديه بعد ذبحه الجندي علي السيد قبل 10 أيام، بعبارة: «بعد مراوغة الحكومة اللبنانية ورفضها مقايضة العسكريين بأسرى (سجن) رومية تم نحر الجندي عباس مدلج (20 سنة)»، مضيفاً إليه تعبير «رافضي»، للتعريف عن أنه من المذهب الشيعي. وترافق ذلك مع نقل «وكالة أنباء الأناضول» التركية تصريحاً لـ «قيادي في تنظيم الدولة الإسلامية»، قال فيه: «أعدمنا الجندي اللبناني الأسير لدينا عباس مدلج ذبحاً لمحاولته الهرب». والجندي مدلج من بلدة مقنة في البقاع، وتقيم عائلته في بعلبك. ومدلج جندي في الكتيبة 83 في اللواء الثامن في الجيش، وكان أسر في اليوم الأول للاشتباكات يوم السبت 2 آب في موقع تلة الحصن في جرود عرسال. ويبقى لدى «داعش» 9 جنود محتجزين. (للمزيد) وفور خبر إعدام مدلج، تحركت فعاليات حزبية وسياسية في المنطقة لضبط الشارع ومنع حصول ردود فعل عنيفة تجاه النازحين السوريين في المنطقة. وكان هذا التطور الدامي في القضية طرأ بعدما أشيعت أنباء طوال نهار أمس عن تطورات إيجابية محدودة حصلت في ملف الوساطة القطرية لدى «جبهة النصرة وتنظيم «داعش»، فتحدث 4 من العسكريين الموجودين لدى الأولى إلى ذويهم عبر الهاتف وطمأنوهم إلى أوضاعهم، فيما ذكرت الأنباء الواردة من بلدة عرسال أن وساطة ما سمي «الوفد القطري» مع «داعش» التي عاودت القبول بالتفاوض معه أسفرت، من جملة نتائجها، عن ضمان سلامة العسكريين الذين يحتفظ بهم التنظيم وعدم المسّ بهم طالما أن المفاوضات مستمرة حول الخطوات المطلوبة من الجانب اللبناني مقابل الإفراج عنهم. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على المحتجزين لدى «النصرة». وفيما أشارت المعلومات إلى أن «الوسيط القطري» غادر عرسال صباح أمس بعد أن تواصل مع قياديين من التنظيمين، لينقل مطالب الخاطفين، نفت أوساط رسمية أن تكون الحكومة اللبنانية تنتظر لقاء وفد أو موفد قطري، بعد ظهر أمس، واستمر وزير الداخلية نهاد المشنوق في تكرار أن لا علم لديه بوجود موفد قطري، كذلك أوساط رئاسة الحكومة. ورجحت مصادر مطلعة أن يكون الموفد شخصية سورية تحمل الجنسية القطرية قادرة على التواصل مع الخاطفين، وربما هذا ما فتح المجال لالتباسات، وقد يكون الغموض الذي لفّ الوساطة مقصوداً بهذا المعنى، على رغم أن خلية الأزمة (الوزارية) تحدثت عن «التعاطي مع دولة قطر». وإذ تنوعت المعلومات والتسريبات التي تداولتها وسائل إعلامية مكتوبة وتلفزيونية ومواقع إلكترونية طوال نهار أمس، عن طبيعة التواصل الذي حصل أول من أمس بين «الموفد» الغامض وبين التنظيمين الخاطفين، ونتائج هذا التواصل، فاختلط المعقول والعقلاني من هذه التسريبات مع التكهنات والتوقعات الخيالية، فإن التكتم سيطر لدى الأوساط العليمة المعنية بمتابعة خطوات التفاوض هذه. وعلمت «الحياة» أن أبرز ما يمكن تأكيده حول نتائج الوساطة هذه، أنها حققت نجاحاً لجهة ضمان سلامة العسكريين المخطوفين وعدم المس بهم أو تنفيذ التهديدات، خصوصاً تلك التي كان أطلقها «داعش»، بإعدام واحد من العسكريين ضمن مهلة محددة، فحصل الوسيط على تعهد بعدم المسّ بهم طالما أن المفاوضات مستمرة. وهذا يعني أن الموفد اتفق مع قادة التنظيمين على استمرار التفاوض الذي يمدد تلقائياً مهلة سلامة العسكريين. ولم تقفل الأوساط العليمة نفسها الباب على إمكان البحث بمطالب الخاطفين، أو أن يكونوا سلموا الموفد بعض هذه المطالب، إلا أنها حتى بعد ظهر أمس لم تكن قد اطلعت عليها في شكل واضح، فضلاً عن أنها أكدت أن التكتم سيبقى هو السياسة التي سيتبعها الجانب اللبناني. لكن الخاطفين واصلوا طرح مطلب وقف تدخل «حزب الله» في سورية، في سياق مطالبهم السياسية، إذ إن العسكريين الأربعة الذين سمحت لهم «النصرة» بالتحدث الى ذويهم قبل ظهر أمس، وهم بيار جعجع وجورج خزاقة وجورج خوري وزياد عمر، طلبوا من أهاليهم، وفق ما أوضحت والدة جعجع وزوجة عمر، باسم رفاقهما الجنود وعناصر قوى الأمن، أن يطلب الشعب اللبناني من «حزب الله» الانسحاب من سورية والتوقف عن القتال الى جانب النظام السوري ضد الثوار. وقالت والدة خزاقة في تصريح تلفزيوني إن ابنها الذي تحدث إليها أكثر من 10 دقائق أكد لها أنه في حالة طيبة ويلقى معاملة حسنة. وعلمت «الحياة» أن الجندي خوري تحدث الى جميع أفراد عائلته في مكالمة مطوّلة. وقالت الأوساط العليمة بطبيعة التفاوض، أن الموفد الذي التقى قياديين من «النصرة» ثم من «داعش»، ركّز مهمته على وضع آلية لخريطة طريق التفاوض. ولم تستبعد مصادر أخرى أن يكون الخاطفون طرحوا لائحة أولية سبق أن تسربت عنها معلومات، وأنها قد تشمل إطلاق سراح موقوفين إسلاميين في السجون، وأن بينها اسم شقيق المدعو أبو طلال الذي انضم مع عماد أحمد جمعة (الذي أوقف في 2 آب/ أغسطس الماضي)، الى «داعش»، قبل اشتباكات عرسال. وذكرت المعلومات أن الخاطفين يريدون إطلاق سراحه. وأضافت الأوساط أن الجانب القطري لم يكن ليحرّك موفداً إلى لبنان لو لم يكن قد هيأ للأمر في اتصالات سابقة. وكانت «داعش» أعلنت ليل أول من أمس «اعتماد الوسيط القطري كقناة وحيدة للتفاوض» وأنه «تم تحميل الوسيط القطري نسخة عن مطالب الدولة الإسلامية». وفي وقت ردد رئيس الحكومة تمام سلام القول إن في يد لبنان نقاط القوة في مفاوضاته مع الخاطفين، فإن المصادر الرسمية أشارت الى أن الجانب اللبناني قطع شوطاً في تحضير ملفات الموقوفين الإسلاميين الذين لم يخضعوا للمحاكمة بعد. وتبين أن عدد هذه الملفات (ليس بالضرورة أن يضم كل ملف موقوفاً واحداً، بل ربما مجموعات أحياناً) يبلغ 37 ملفاً، أنجز تحضير 22 منها لبدء المحاكمة ويبقى 15 ملفاً قيد التحضير للمحاكمة، لتتقرر في ضوء ذلك الإجراءات التالية من قبل المجلس العدلي بهدف تسريع المحاكمات، لعل من بين المتهمين في هذه الملفات من يخلى سبيلهم، وبينهم كثر ممن لا يحملون الجنسية اللبنانية. وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قال في كلمة له في مناسبة القداس السنوي لذكرى شهداء الحزب، إن «القضاء على داعش هو واجب فوري على أن يرافقه عمل موازٍ لإزالة أسباب ظهوره». ورأى أن «دواعش القفازات المخملية هي أشد خطراً وفتكاً من داعشية غبية استجلبت في وقت قياسي إجماعاً دولياً قلّ نظيره ضدها، وهذه الظاهرة الطارئة والمشبوهة خرجت الى الضوء بسحر ساحر وقدرة أسد»... وسأل: «هل من يقتل بيديه العاريتين داعش أما من يقتل بقفازات مخملية ليس داعشاً؟». وإذ رفض «مشاريع الأمن الذاتي التي تستغل خطر الإرهاب»، قال: «سنقاتل الى جانب الدولة بالموقف والحجة والصبر، ولن نتردد لحظة في التصدي لكل من يتخطى الدولة بقوة السلاح ليعتدي على لبنان وعلينا». ومن جهة ثانية، أكد رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد رفضه الخضوع لمنطق المقايضة والمبادلة في ملف العسكريين المخطوفين. ودعا الى التوقف عن تحريض عوائل المختطفين للتظاهر وقطع الطرقات وتحميل الجيش المسؤولية، معتبراً أن «الجيش وقع ضحية عدم وجود قرار سياسي بملاحقة الخاطفين».