×
محافظة المنطقة الشرقية

تلوث بيئي

صورة الخبر

--> إن العالم يفسح الطريق للمرء الذي يعرف إلى أين هو ذاهب ( رالف و.أمرسون ). كان يسكنني الاستعجال دائما , وهاجس الانجاز يلح علي , وكنت أعتقد ان الشخصية الناجحة لابد ان تكون في حكمة الانبياء , وبنقاوة الصالحين , وسعة اطلاع العلماء. الحياة في هذه الحالة تبدو صعبة جدا فأنت تجاهد الظروف وتحمل نفسك مالا تطيق يحدث معي كثيرا , وكنت اتساءل: ما الذي يبقيني حية بعد مماتي ؟ إنه الانجاز والإبداع , لكنها لا تأتي على طبق من فضة، بل تحتاج الى جهد ووقت واستمرارية. فمثلا الابداع الادبي الذي هو فن خلق الشخصيات والنماذج كما يصفه مكسيم غوركي ما هو إلا مخاض عسير يمر به المبدع متخذا منهجا فلسفيا استقرائيا عمليا , ويتطلب خيالا خصبا متهاطلاً. فعندما يصور الاديب حالة شخص مريض ويضيف لها ابعادا أخلاقية وأدبية واجتماعية هنا يملؤها بالمعنى فتتوسع مداركنا ووعينا تجاه هذا الانسان وتجربته، وتكتمل الصورة مع المعنى فيتوصل القارئ إلى ما يريده الاديب، والخيال الفقير لا يمكن أن يصنع أديبا. وقد عرف جيلفورد Guilford الابداع بأنه سمات استعدادية تضم الطلاقة في التفكير والمرونة والأصالة والحساسية للمشكلات وإعادة تعريف المشكلة وإيضاحها بالتفصيلات والإسهاب. فالابداع له ركائز يتكئ عليها وسمات تميزه فلا يجوز إطلاق لقب مبدع على أي شخص يكتب, والاشكالية التي نعيشها الآن هي تضخم طبقة النخبة المثقفة ومحاولة الكل الانتساب لها سواء يستحقون أم لا ما أثمر وجود تسطيح للإبداع الادبي بشكل كبير, واستسهال لقب مبدع نتيجة للمجاملات الكثيرة وهذا يأتي على حساب الابداع. فالمبدع الحقيقي لا يصنف نفسه ولا يحشر نفسه وسط معمعة الالقاب، بل يعمل في الخفاء ويتدرج ويتطور حتى يأتينا ابداعه المغاير بلا زركشات أو تنميق. وقد قال في هذا الشأن العالم الفرنسي موشيه : على كل من يريد إحراز هويته أن يتعرف نفسه بشكل وجداني وان يُحدد مواطن الضعف والقوة فيها وان يسعى الى ترميم مواطن الضعف والنقص في نفسه , ولا يتأتى ذلك إلا لذوي الأرواح الشجاعة, إذ يتفردون في ساعات من التفكير والتأمل. والأديب المبدع يكون بعيدا جدا عن التصنيفات والبصمات التي يشكلها الآخرون له بغية قولبته وتأطيره حسب أهوائهم ورؤاهم. وعندما تكون الحياة مشحونة بالانطباعات وغنية بالأحداث لا نستطيع إلا ان نجاريها ونتحدث عنها ونشاكسها, ونكتبها بكل ما فيها من جماليات وقسوة وألم ورعب. ومن وجهة نظري أن الأديب المبدع هو من يحاول دائما اقتناص لحظاتنا المرعبة الاليمة والمفرحة السعيدة وإعادة صياغتها ليهزم بها لحظات الركود الانساني , وللفيلسوف وليم جيمز الأستاذ في جامعة هارفرد قول : لو قسنا أنفسنا على ما نحن عليه لوجدنا اننا أهدرنا نصف وجودنا . بمعنى اننا لا نستفيد الاستفادة العظمى من الطاقة الكاملة لدينا بشكل ايجابي للتخلص من كل ما علق بنا من العالم القديم المترهل, لبناء عالم أفضل تتداخل فيه الأفكار القيمة والانجاز العالي والطاقة المتدفقة، لنصبح أفضل مما نحن عليه. فلو تيقنا من فهم كل ما يمر بنا , واختبرنا قدراتنا, وإمكاناتنا, لما أصبح هناك دخلاء على كل حرفة ومهنة، وبالذات الابداع الذي يصعب على الكل تحقيق عناصره. Zienab_76@hotmail.com مقالات سابقة: زينب ابراهيم الخضيري القراءات: 7