مما لا شك فيه ولا مراء في ذكره أن التقليل من أمر مستعظم هو شأن أهل الضياع والضِعة، وصفة أصحاب الهوى والهفوات، ومن أعظم ما يذكر في هذا الشأن تولي الأمانة فيما يخص مصالح العباد التي يحصل من خلالها النفع والضرر، وهي من أعظم الأمانات التي عظّم أمرها المولى عز وجل في الذكر الحكيم (إنا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)، وعن عبدالله بن مسعود عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أنه قال: "القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها، أو قال: يكفر كل شيء إلا الأمانة؛ يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك، فيقول: أي رب وقد ذهبت الدنيا، ثلاثًا. فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية، فيذهب به إليها، فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها، فيحملها فيضعها على عاتقه فيصعد بها إلى شفير جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت، فهوى في أثرها أبد الآبدين". وفي أحاديث آخر الزمان أن تضييع الأمانة من علامات الساعة فيؤتمن الخائن ويخوّن الأمين، وهو أمر مشهود ومعلوم هذه الأيام. والمر في الأمر أن تولي أمانات رقاب العباد قد أصبح جزءا من معادلات معقدة، يدخل في صلب تكوينها المصالح المشتركه والمنافع المتبادله والعلاقات النسبيه والمجاملة وأشياء أخرى كثيرة، ليس من ضمنها في معظم الأحيان القوه والأمانه التي اختصر بها المولى عز وجل موسوعات علوم الجوده في قوله تعالى وقوله الحق: (إن خير من استأجرت القوي الامين)، وإنه لمن الضياع الحقيقي إغفال هذه المعاني الكبرى التي تؤدي لا محالة إلى جنة أو إلى نار والعياذ بالله، وتذكّر بل والحرب على مصالح قصيرة المدى محصورة في سنوات قلائل في عمر قصير بطبعه، ومما لا شك فيه أن الموضوع لا يخلو من جرأة هي جرأة الباطل والمسؤولية في هذا الأمر، كما أراها لا تنجي من يعتقدون أنهم أطراف بعيدة وأراها قريبة، وأرمي هنا إلى كيان المجتمع ورجالاته وخصوصا من يظن فيهم الخير، والذين أعلم يقينا أن إشراكهم في الأمر ستقرّ به عيون أمراء المناطق وأصحاب القرار في بلادنا الحبيبة، بل هي مشاركة من نوع نخبوي وراق من أواسط المجتمع في تحمل المسؤولية، وما أجمل أن يكون هناك ما يسمى بمجموعة الحكماء ممن يظن فيهم بعد النظر وسداد الرأي وحب تراب الوطن، وهذا أمر أراه مطلبا من أهم وأجدى المطالب الوطنية التي ستقطع الطريق بامتياز ودقة هدف على كبار المتنفذين في جسد وزارات الدولة، الذين في معظم أحيانهم يختارون اجتهادا منهم وظلما من عند أنفسهم ما يناسب أهدافهم ومطامع أنفسهم داخل تلك الوزارة أو المصلحة؛ لكونه وكما يقولون (يسمع الكلام). وتكرار هذا الاختيار في عدة مصالح ووزارات في وطننا الكبير هو كما نراه أصلا هام في المصائب التي حلت ببنية مشاريع الدولة في خدمات هامة وتوجهات مستقبلية حساسة الا ما رحم ربي، وتكوين مجموعة الحكماء في المناطق كما نراه وتدعمه تجارب التاريخ القريب والبعيد ستمثل ثقلا اجتماعيا وشعبيا سيحقق التوازن في الرؤية، كونهم أدرى بشعاب ورجالات مناطقهم بدل الاخوة الكرام الذين يتربعون على مكاتبهم في وزاراتهم، تحكمهم مقاييس أرجو أن يأتي يوم ليعلنوها لنا لنواجههم بها، ونعلنها مدوية في الفضاء الفسيح ألا اجتهاد في رقاب العباد، بل صوت عقل وحكمة تعلوه أمانة ويجمّله العمل الخالص لله الواحد القهار، الذي نعلم أنه لا تخفى عنه سبحانه مكائد القوم فليمكروا ويمكر الله والله خير الماكرين. عضو المجلس العلمي الاستشاري لمعهد رياضيات القلب الأمريكي